كان يحلم الفتى زيد قيسية (17 عامًا)، بأن يصبح مغنيًا مشهورًا، ولتحقيق حلمه، اشترى جهاز تضخيم صوت بسيط بمال من والدته، ووعدها أنه حين يصبح معه المال سيعيد لها المبلغ بالكامل، لكن قوة من النخبة الإسرائيلية حالت دون حلم ذاك الفتى، الذي كان يظهر في عدد من المقاطع المصورة داخل مخيم الفوار جنوب غرب الخليل، وهو يظهر عروضه وتميزه في الغناء.
كان زيد يحب الغناء الصاخب، والموسيقى الشعبية التقليدية، وكان حلمه أن يدرس الموسيقى في مدرسة بيت لحم، لكن كل تلك الأحلام تبددت إلى الأبد، مع أول ساعات صباح الثالث عشر من مايو/ أيار الماضي، بعد أن وجه جندي من “وحدة الكرز” التابعة للنخبة الإسرائيلية بندقيته تجاه ذاك الفتى الذي كان على سطح منزله يقف مع أقربائه لمشاهدة ما يجري من أحداث في منطقة قريبة، فأطلق الجندي النار على رأسه مباشرةً وأسقطه على الفور شهيدًا.
هذا ما نشرته اليوم صحيفة هآرتس العبرية، في مقدمة تقريرها المطول للصحفي جدعون ليفي، حول استشهاد الفتى زيد قيسية (17 عامًا).
وبحسب الصحيفة، فإن 20 جنديًا من القوة الخاصة، وصلوا للمخيم متنكرين بزي فلسطيني، في محاولة لاعتقال فلسطيني يبلغ من العمر 18 عامًا، تبين لاحقًا أنه مصاب بمرض عقلي، كتب على فيسبوك رسالة تحدي لضابط في الشاباك يسمى “نضال” مسؤول عن تلك المنطقة، يتحداه فيها بالقدوم للمنطقة.
وصلت القوة لاعتقال ذاك الشاب الذي هدد الضابط الإسرائيلي، إلا أنه بعد التحقق تبين أنه لم يتواجد في المكان، وكشف أمر القوة واندلعت مواجهات مع الشبان بالمنطقة.
ووصفت الصحيفة تلك العملية بأنها “حيوية” في استهزاء من العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ولدى محاولة القوة الإسرائيلية الإنسحاب من المكان، وبعيدًا عن المواجهات تمامًا، كان الفتى قيسية يناظر من سطح منزلهم مع أفراد من عائلته ما يجري عن بعد، قبل أن يطلق أحد أفراد النخبة الإسرائيلية رصاصة مباشرة على رأس قيسية ما أدى لاستشهاده.
ووفقًا للتقرير، فإن الجندي كان على بعد أكثر من 100 متر من مكان زيد، ولم يتم إلقاء حجارة من المنزل الذي كان يقف فيه الفتى، ولا يمكن ألقاء أي شيء على الجنود بسبب المسافة والارتفاع الكبيرين وحقيقة وجود سقف آخر يفصل زيد عن الجنود.
وتساءل الصحفي ليفي “لماذا أطلق الجندي النار؟ يتعين على الجيش الإسرائيلي الرد على ذلك”.
وقال: “ربما بسبب الفشل في القبض على المطلوب .. قرر أحد الجنود تصويب بندقيته وإطلاق الرصاصة التي قضت على حياة زيد وأحلامه”.
وأضاف: “كان من الصعب رؤية قتل زيد بهذه الصورة، لقد أصيب مباشرةً في وجهه، وقميصه تبلل بالدماء، حتى أرضية السقف الذي كان يقف عليه تبلل بالدماء بكميات مرعبة، كما لو كانت مسلخًا”.
يقول جهاد البالغ من العمر (13 عامًا) وهو شقيق زيد، إنهم كانا يلعبان سوياً لعبة “الببجي”، وحين سمعوا ضجيجًا في الشوارع خرجوا على السطح ليشاهدوا ما يجري، فيما كانت والدتهم نائمة بعد تناول سحور ذاك اليوم من رمضان.
كان الجنود يحاولون الانسحاب، إلا أنهم وقفوا على زاوية شارع منزل عائلة الشهيد زيد، وكانوا في وضعية إطلاق نار رغم أنهم في مكان أكثر بعدًا عن المواجهات التي تراجعت حدتها مع إطلاق النار وقنابل الغاز بكثافة.
كان عم زيد يطلب منه ومن ابنتيه الطفلتين اللتين كانتا في المكان، بالابتعاد عن السقف، حيث لاحظ أحدهم أن جنديًا يوجه بندقيته إليهم، فتراجعوا جميعًا، وبات جهاد يقف مختبئًا بين خزانات المياه، في حين اقترب زيد من السور، إلا أن مطالبة عمه له بالتراجع لم تسعفه، فبمجرد إلقاء نظرة خاطفة كلفته حياته برصاصة جندي كان يترصد لكل من يقترب من السور.
سقط زيد على الأرض، وكان شقيقه جهاد يعتقد أنه يتظاهر بالسقوط، وسأله هل تمزح معي، لم يكن حينها الدم يطفو على السطح.
تشير شهادات عدة لفلسطينيين من المكان، لمنظمة “بتسليم”، إلى أن منزل عائلة زيد لم يشهد أي مواجهات، ولم يكن هناك أي سبب لإطلاق النار على السطح.
الأم التي كانت نائمة بعد سهرة طويلة في ليل رمضان كما جرت العادة للفلسطينيين، استيقظت على أصوات الصراخ، وخرجت مهرولة إلى السطح، فوجدت أن ابنها زيد محمولًا من قبل شابين من الجيران، ويحاولان إسعافه، وغطوا وجهه بقميص لمنع الأم من رؤية المنظر القاسي، وقالوا لها أنه أصيب بذراعه، إلا أنها انهارت على الدرج وعادت لتصرخ عند الساعة 6:15 صباحًا.
أصرت الأم على نقلها للمستشفى للاطمئنان على ابنها، وحين وصلت طلب منها الذهاب إلى غرفة الطوارئ، لكن شقيقها الذي كان وصل قبلها، طلب منها الدعاء لزيد، ففهمت على الفور أنه استشهد.
منذ أيام تم استدعائها من قبل الشرطة العسكرية الإسرائيلية لمكاتب الإدارة المدنية في الخليل، إلى جانب آخرين من العائلة كانوا على السطح، من أجل الإدلاء بشهاداتهم للمحققين العسكريين.
وأخبر أحد الضباط، والدة الشهيد قيسية، إن هناك خطأ حدث ويجب معاقبة الجنود.
وأكد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أنه يجري التحقيق في ظروف ما جرى، وستحال النتائج إلى مكتب المدعي العسكري لفحصها.
في هذه الفترة، كل فرد من أفراد الأسرة يستعرضون هواتفهم المحمولة، تقريبًا كل شخص لديه مقطع من أغاني زيد يستمع إليها، ووالدته التي غنى لها زيد في عيد ميلادها، لا تكاد تفارق تلك اللحظات من مخيلتها وكذلك من الفيديو المصور لتلك اللحظة. (كما تختم الصحيفة تقريرها).