بقلم: الدكتور صبحي غندور
ما تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية الآن من حراك شعبي واسع ضد العنصرية المتجذرة في المجتمع الأمريكي، هي فرصة مهمة على المستويين الأمريكي والعالمي، للمطالبة أيضاً بوقف كل أشكال العنصرية والاضطهاد التي يمارسها الاختلال الإسرائيلي على الفلسطينيين لعقود طويلة، لكن هذا الأمر داخل أمريكا الشمالية يتطلب وجود مؤسسات فلسطينية فاعلة وقادرة على جمع الطاقات الفلسطينية، وعلى التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي، والمنظمات الداعمة لحقوق الإنسان، بحيث تصبح مسألة مناهضة الاحتلال الإسرائيلي العنصري قضية إنسانية عامة، لا تختص فقط بالشعب الفلسطيني، تماماً كما كانت مسألة مناهضة النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا.
الكفاءات والطاقات الفلسطينية المنتشرة في الولايات المتحدة مهمة جداً، لكنها مبعثرة ومشتتة في بلد تتحرّك فيه إسرائيل بشكل واسع ومؤثّر، عبر هيئات مختلفة مؤيدة لها. وحتماً هناك تأثيرات سلبية كبيرة لواقع حال الخلافات بين المنظمات الفلسطينية على الانتشار الفلسطيني في العالم، لكن الوقت قد حان للبحث في داخل أمريكا الشمالية عن إطار تنسيقي، يجمع الفلسطينيين بغض النظر عمّا حصل من خلافات سياسية فلسطينية في السابق، خاصة في هذه الظروف التي توحّد فيها الموقف الفلسطيني من تداعيات اتفاقية أوسلو، ومن رفض «صفقة القرن»، ومن السياسة الإسرائيلية الحالية.
هناك حاجة الآن إلى تأسيس «الرابطة الفلسطينية في أمريكا الشمالية»، لتكون إطاراً عاماً يجمع نخب الشتات الفلسطيني، بشرط مسألتين: الأولى، أن يكون هدف الرابطة هو البناء التنظيمي الديمقراطي بعيداً عن التحزّب السياسي، الذي يسود أوساط المنظمات الفلسطينية، ثمّ ثانياً، تشكيل «الرابطة» من خلال الدعوة في المدن الأمريكية والكندية لمؤتمرات شعبية فلسطينية عامة، تنتخب ممثلين عنها لعضوية الرابطة. وفي مرحلة لاحقة، تضع هذه «الرابطة» برنامج عملها وأولويات تحرّكها وفق الرؤى التي يتمّ الاتفاق عليها بين من يمثّلون المهاجرين الفلسطينيين.
هناك دور كبير يقوم به نشطاء فلسطينيون في الولايات المتحدة، لكن بمبادرات خاصة أو فئوية، ونرى ذلك في مجال العمل السياسي الأمريكي، وفي الحملات الانتخابية، لكن من دون قدرة على تحويل هذه المبادرات إلى إطار فلسطيني تنسيقي واسع في تأثيره ومتواصل في عمله.
وسيكون وجود هذه «الرابطة الفلسطينية» المنشودة مفيداً ليس فقط للقضية الفلسطينية وللمهاجرين الفلسطينيين أنفسهم، بل أيضاً لما تريد المرجعيات الفلسطينية التركيز عليه من قضايا سياسية في الغرب، وفي الساحة الأمريكية خصوصاً، كما سيكون للأمريكيين الفلسطينيين الممثلين في «الرابطة» إمكانية العمل مستقبلاً لبناء «اللوبي الفلسطيني» في حال جرى وضع إمكانات مادية مساندة لعملهم السياسي في أمريكا الشمالية.
إن ذلك لكفيل أيضاً، في حال تحقيقه، أن يجمع خلفه ومعه الكثير من الطاقات العربية الفاعلة في الولايات المتحدة، فالقضية الفلسطينية هي محور يلتقي حوله ومن أجله معظم العرب أينما كانوا، لكن التأثير العربي في سياسات دول الغرب ما زال- لأسباب عديدة- محدوداً، وسيكون الفارق كبيراً في أعمال المهاجرين العرب وحركتهم لو توفّر أمامهم نموذج فلسطيني رائد في إطاره التنظيمي، وفي برنامجه الوطني الفلسطيني الشامل. وسيجد المهاجرون العرب أنفسهم معنيّين بدعم هذا الإطار المقترح، ففيه ستكون، ليس سلامة المرجعية للفلسطينيين في الغرب فقط، بل أيضاً إعادة الحيوية للقضية الفلسطينية لدى كل المهاجرين العرب.
البلاد العربية كانت في منتصف القرن الماضي إما أنها تحررت حديثاً من حقبة استعمارية أوروبية، وإما أنها تخوض ثورات التحرّر من أجل استقلال الأوطان عن مستعمر أجنبي، لكن كان هناك، في الحالتين، إدراك عربيّ عام للرابط الأساس بين الهمّ الوطني وبين القضية الفلسطينية، فأي قضية وطنية عربية كانت هي قضية قومية مشتركة، والعكس صحيح.
وكانت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكل العرب حتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأت صراعات عربية/عربية على أكثر من جبهة، متزامنة مع «معاهدات كامب ديفيد» واتفاقيات الصلح المنفرد مع إسرائيل.
إسرائيل هي المستفيدة من واقع الانقسام الفلسطيني والعربي عموماً، وبما هو عليه من حال الصراع، ومن أولويّات تتناقض مع مصالح الأوطان وقضاياها المصيرية، فما أحوج الأمة العربية اليوم إلى «عمل نهضوي عربي شامل»، تشترك فيه مجموعة من طلائعها الواعية المقيمة في بلاد العرب مع الطاقات العربية المنتشرة في بقاع العالم، ليشكّلوا معاً روّاد نهضة عربية حقيقية متوجّبة للأوطان، والأمة كلها، وللقضية الفلسطينية المركزية.
*مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن – عن “البيان” الإماراتية