ننحني احترامًا لأهل يافا… فلندعم نضالهم

20 يونيو 2020آخر تحديث :
ننحني احترامًا لأهل يافا… فلندعم نضالهم
ننحني احترامًا لأهل يافا… فلندعم نضالهم

بقلم: سهيل كيوان

يقارن البعض بين حالتنا وحالة السود في أميركا، خصوصًا بعد انتفاضة أيار الأميركية. هناك فارق أساسي بين الحالتين، وهو أن الأميركي الأبيض العنصري لا يفكر بطرد الأسود من وطنه، بل يسعى إلى مواصلة اعتباره أقل قيمة منه، وبأنه لا يستحق مساواته بالأبيض، بينما في حالتنا فإضافة إلى العنصرية والاستعلاء، توجد فكرة حاسمة، وهي طرد الفلسطيني من وطنه، أو إرغامه على مغادرته بكل طرق الضغط أو الإغراء المتوفّرة.

لا يوجد في أميركا ظاهرة اسمها تجريف مقابر للسود واقتلاع شواهد وجودهم. نشهد في هذه الأيام إصرار بلدية تل أبيب على تجريف مقبرة الإسعاف في يافا، وهذه حالة تمثّل لبّ الصراع بين الحركة الصهيونية وشعبنا منذ نشأة هذا الصراع، فإذا كان البشر غير موجودين بحسب النظرية الصهيونية، فمن البديهي أن لا يكون لهم مقابر وشواهد، وإذا وُجدت! إذن يجب محوَها.

لقد حققت الحركة الصهيونية حلمها وأقامت دولة، وما تلا ذلك من حروب وحملات عسكرية، وما يحدث في يافا والأغوار، والقدس، والمضايقات والقمع لكل الفلسطينيين من النهر إلى البحر، هي عملية استكمال للمشروع الأصلي، الذي يعتمد الطرد السكاني ركيزة له.

“على الأقلية أن يغادروا المدينة”، كتب يائير ابن نتنياهو رئيس الحكومة، وغني عن القول إن أكثرية الشعب اليهودي في إسرائيل تؤيده، أما القوى المعارضة لهذا النهج العنصري، فقد باتت هامشية جدًا وفي طريقها للاندثار تمامًا، فأين هي الأصوات المعارضة لتجريف مقبرة الإسعاف؟ وقبلها مقبرة مأمن الله في القدس؟

قضية السود في أميركا هي قضية تحسين ظروف الحياة، والسعي لتطبيق الدستور الأميركي الذي يساوي بين جميع المواطنين الأميركيين، أما قضيتنا فهي إضافة للعنصرية وظروف الحياة، فهي أيضًا قضية قومية عالقة، ولهذا علينا مواجهة الفكرة من جذورها، كي نستطيع معالجتها بشكل صحيح، وأن نتصرف على أساس أننا شعب تعرّض وما زال يتعرض للاقتلاع، ولسنا مجموعة مواطنين تتعرض للتمييز في فرص العمل والوظائف والميزانيات والإعفاءات. نحن جزء من شعب تعرض معظمه للاقتلاع من وطنه من جذوره، وما زال ما تبقى منه يواجه المصير نفسه، ويتعرض إلى محو تاريخه وتشويه لغته وتهميشها.

محاولة إزالة المعالم العربية من فلسطين لم تتوقف للحظة منذ قيام دولة إسرائيل، فكل شيء يشهد تغييرات، سواء في استبدال أسماء المواقع الجغرافية أو أسماء البلدان، أو إخفاء الآثار، وإزالة كل ما يحمل طابعًا عربيًا أو يذكّر به، وتهويد المدن المختلطة ومحاصرة الأحياء العربية فيها، ومنع توسعها أو محافظتها على نفسها على الأقل، وإهمالها ومنع ترميمها حتى تتلف وتنهار، أو إخفاء معالمها، أو تزييفها وتهويدها، مثل ضريح الشيخ شحادة في عين غزال، الذي يتحول بقدرة قادر إلى ضريح راب يهودي، رغم أن بعض أبناء الشيخ شحادة وأحفاده ما زالوا أحياء يرزقون في قرية الفريديس التي لجأوا إليها في عام النكبة.

لقد سبق واعتدت السلطات ومحت قبورًا ومقابر، ومنعت أهالي القرى المهجّرة من دفن موتاهم في مقابر أهلهم، وحاولت محو مقبرة بلد الشيخ المعروفة بمقبرة عز الدين القسام، بتمرير شارع في وسطها، ولكن النضال الشعبي الذي قاده بعض الغيورين في حينه، والمواظبة عليه، أثمر اتفاقية أبقيت المقبرة في مكانها، حيث جرى بناء جسر يمرُّ من فوقها، رغم الاعتداءات المتكررة عليها.

كل احترام لأهالي يافا على وقفتهم المشرّفة والشجاعة في وجه قوات التجريف والهدم العنصرية. واجب أبناء شعبنا، شعبيًا وتمثيليًا – سياسيًا، مناصرتهم كما يليق بهذا الموقف وأهميته، والنهوض في هذه القضية على كافة الأصعدة ووضعها كقضية مفصلية لأنها كذلك بالفعل. فكرة تجريف مقبرة عربية تمثل الفكرة الصهيونية الأساسية، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وفي الوقت ذاته تمثل صمود شعبنا الباقي في وطنه والمتشبث بجذوره.

كنت أتمنى من أحزابنا وحركاتنا الفاعلة نصرة أهل يافا بالمبادرة إلى مظاهرة قطرية في وسط تل أبيب في مواجهة تجريف مقبرة الإسعاف. الضغط على بلدية تل أبيب ومنعها من إقامة مبنى على أنقاض مقبرة الإسعاف هو أمر في غاية الأهمية والضرورة، فالقبور هي تاريخ شعب، يفترض أن تراه الأجيال القادمة، فنحن في مواجهة نظام لا يستحي من الكذب على الأحياء وتزييف الواقع أمام بصر وسمع العالم، فما بالكم بالراحلين.

إذا لم نصُن قبور أسلافنا اليوم، فهذا يعني تراجعًا كبيرًا في قدراتنا وجاهزيتنا الكفاحية، وفشلا جديدًا أمام ماكنة الاقتلاع الصهيونية.

أضرحة وعظام الأجداد إضافة إلى أنها أمانة في رقابنا، فهي صورة لورطة شعبنا مع الحركة الصهيونية منذ نشوء فكرة بناء وطن قومي لليهود على حساب شعب فلسطين ووطنه.

عن “عرب ٤٨”