بقلم: فيصل أبو خضرا
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
بداية لا بد من التأكيد على أننا أمام مرحلة صعبة ومصيرية من عمر قضيتنا الفلسطينية، فنحن اليوم نواجه وباء الاحتلال الأخطر بممارساته اليومية التي تشهد تصعيدا خطيرا، إضافة لوباء كورونا الذي تواجهه البشرية جمعاء. والسؤال الذي يطرح على كل فلسطيني اليوم هو ما العمل؟ وكيف لنا أن نصد هذا العدوان الإسرائيلي الأميركي الشامل ضد شعبنا وحقوقه وكيف لنا أن نحبط مخططاتهما وننتزع حريتنا واستقلالنا دون مزيد من الانتظار؟
شعبنا الفلسطيني تعب من الانتظار والوعود ودعوات الصبر مما أدى إلى تراجع قاتل لقضيتنا الفلسطينية العادلة. نحن لم نعتد لا على اليهود الصهاينة الذين أحرقهم النازي، ولم نعتد على أي دولة بالعالم، بل بالعكس استقبلنا الكثير من شعوب العالم إن كانوا من الشرق أو من الغرب، وعشنا على هذه الارض المباركة التي إحتضنت جميع الأديان السماوية، وفي غفلة من زمن الانحطاط الغربي اتفقوا جميعا على خيانة القيم الانسانية والاخلاقية، التي يتشدقون بها، وزرعوا جسما غريبا في قلب الامّة العربية على حساب شعبنا، يخدم مصالحهم كي تبقى الأمة العربية ضعيفة وفي صراعات مذهبية ودينية وعرقية وسياسية داخلية الى الأبد.
ومع الأسف نجحوا في تحويل العرب إلى أمّة تعتمد على الغرب والشرق حتى تستطيع العيش فقط بدون كرامة كباقي شعوب العالم، الذي بات تحكمه القوى إن كان ماديا أو عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا. فقط ثلاث أو اربع دول في العالم لها من القوة المادية والعسكرية والاقتصادية تتحكم بمصائر شعوب العالم أجمع ، ومع الأسف فإن منطقتنا العربية تعيش وتستجدي هذه الدول كي تنصرنا على بعضنا البعض، ومستعدة ايضا لتحمل الاهانات والتنازل عن الكرامة لإرضاء هذا البعبع الأميركي أو الروسي، بدلا من ان تتوحد كلمتنا كي نكون امّة عربية لها إستقلالها وهيبتها وكرامتها وتحمي شعوبها من جميع الأعداء من الشرق أو من الغرب.
ان أي دولة عربية يمكن أن يحصل لها ما حصل في فلسطين ، ولكن الصدفة هي كانت إختيار فلسطين لهذا المخطط الاستعماري لما لها من مكانة استراتيجية، دينية وجغرافية، رغم أن دولا عربية اخرى عانت ولا تزال تعاني من مختلف أشكال الاستعمار والمخططات المعادية.
لقد لعبت الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا لعبة قذرة، إذ منحت الاستقلال للدول العربية، ولكن بالمقابل زرعت إسرائيل كي تكون خادمتها في الهيمنة على المنطقة وخلق الفتنة بين البلاد العربية، وتقاسمتا العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى منذ هرتزل الذي عمل المستحيل لاقناع السلطان العثماني عبد الحميد مقابل المال،لفتح فلسطين أمام الهجرة اليهودية من اوروبا إلا أنه رفض ذلك.
وعندما كانت الامبراطورية العثمانية تترنح من ضعفها، خصوصا المالي، كانت الصهيونية بقيادة روتشيلد تعمل على رشوة بريطانيا لخلق هذا الكيان الغريب في فلسطين، وذلك قبل الحرب العالمية الثانية أي قبل ارتكاب النازية المحرقة ضد اليهود الاشكناز وغيرهم، وللعلم إن الذين احتلوا فلسطين عصابات مشردة اشكنازية من العرق الآري وليسوا من العرق السامي، أي إن احتلال هذه العصابات فلسطين لا صلة له بالدين، ولا بالمحرقة النازية، بل فقط لزرع هذا الكيان الغريب في قلب الأمّة العربية خدمة للاستعمار الاوروبي والامريكي. وقد اراد الاستعمار الإسرائيلي ان يضفي على الصراع بعدا دينياً وليس سياسيا لاستقطاب يهود العالم وتبرير احتلال أرض الشعب الفلسطيني، فأعاد مقولة شعب الله المختار والارض الموعودة من النيل الى الفرات. ولن تكتفي الصهيونية بفلسطين فقط، وهذا مايفسر احتلالهم للجولان السورية وحديثهم عن ارتباط ديني وروحي بمواقع في الاردن الشقيق.
وللأسف ورغم كل ما عشناه ونعيشه أصبحنا نغني ونطبل ونرقص على هذه المذلة الاستعمارية التي نحن فيها، وأصبحنا امّة سلاحها هو فقط اللسان ، أي لم يعد لدينا إلا التنديد والوعيد بدون أي افق حقيقي لاسترجاع بعض من حقوقنا وكرامتنا.
صحيح إن زعماءنا لم يتركوا بابا سياسيا إلا وطرقوه وان شعبنا خاض ثورات عديدة واصبح العالم أجمع يعترف بحقوقنا المشروعة. لقد تنازلت منظمة التحرير في العام ١٩٨٨ عن ٧٨ بالمائة ، من فلسطين التاريخية لأجل تحقيق السلام، ولكن الاحتلال بقي متمسكا بأطماعه التوسعية، وأصبحنا نحارب بالمهرجانات، و الخطب النارية ، واحتجاجات أو مظاهرات لا تقنع المحتل بأننا شعب يريد أن ينتزع حريتة واستقلاله ويعيش بكرامة على تراب وطنه.
اليوم على الشعب الفلسطيني أن يختار بين استمرار الذل والهوان الذي يعيشه الآن أو النضال الحقيقي لانتزاع حقوقه والحفاظ على مقدساته التي أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بها، فقد لبى سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم النداء وأسرى الى المسجد الاقصى في القدس الشريف، الذي بارك الله حوله لذلك لا يحق لأي مسلم التنازل عنه أو السماح لمستعمرين بإنتهاك حرمته أو التنكيل بالمصلين ورجال الدين. وما يجب التأكيد عليه هنا أن النضال الحقيقي والسعي لإنتزاع الحرية والاستقلال يجب أن يبدأ بالقدس وكان يجب أن يبدأ منذ وقت طويل لا أن ننتظر الضم أو غيره من الخطوات الاستعمارية.
الشعب الفلسطيني بجميع أطيافة يبارك ما تم أخيرا من إعلان اللحمة الوطنية بين فتح وحماس ونية توحيد المقاومة في جميع أنحاء فلسطين، إلا أنه يتطلع إلى ان يتجسد ذلك على الأرض ويدوم ويتطور كي تتحد كافة قوى شعبنا ضد هذا الاحتلال البشع الجاثم على صدورنا، لا أن يكون هذا الإعلان مثل ما سبقه من إعلانات ظلت حبرا على ورق فيتكرس الإنقسام المأساوي الذي لم يخدم سوى الاحتلال والفئوية الضيقة.
اليوم نحن أمام فرصة حقيقية لإنهاء الإنقسام، وشعبنا يستحق الحياة وان يعيش على أرضه وأرض أجداده، حرا سيدا لا أن يعيش في مخيمات اللجوء وتحت احتلال يسرح ويمرح ويتمتع في وطن ليس له.
وهنا لا بد أن نقول إن على الكل الوطني بما في ذلك رجال الدين مسلمين ومسيحيين ان يقوموا بواجبهم الديني والوطني والاخلاقي، ولدينا الكثير من النماذج والأمثلة على رجال الدين المسلمين والمسيحيين الذين ناضلوا بشرف دفاعا عن فلسطين وحقوق شعبنا وبينهم المطران كابوشي، الذي قاوم المحتل لأجل المسيحي والمسلم ، أي لأجل فلسطين التي تحتضن الجميع لأن ما يقوم به علماؤنا الشيوخ المسلمين ورجال الدين المسيحيين للحفاظ على قدسية المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وغيرهما لهو دليل قاطع على شجاعتهم، والدلائل كثيرة ، ومنها هبة البوابات الألكترونية التي حاول الاحتلال فرضها ومحاولته إغلاق باب الرحمة ومحاولته فرض الضرائب على الكنائس، وكلها أحبطت بهذه الوحدة الرائعة والارادة الحديدية لدى أبناء شعبنا، ولذلك نرى يوميا اعتداءات جنود الاحتلال على شيوخنا الأفاضل كاعتقال الشيخ عكرمة صبري عدة مرات لمواقفه الشجاعة دفاعا عن الأقصى وكذا اعتقال أئمة المسجد الأقصى وحراس الأوقاف والمرابطين ومنع وصول المصلين للأقصى وغيره مما يؤكد أن هذا العدو يعطي الصراع طابعا دينيا بامتياز.
وللتذكير، ففي الثامن من آذار ١٩٨٧ عندما كانت حافلات تقل عمالا فلسطينيين عائدين من أماكن عملهم في إسرائيل مساء الى قطاع غزة وقبيل وقوفها أمام الحاجز الإسرائيلي للتفتيش داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، مما أدى الى استشهاد أربعة عمال وجرح سبعة آخرين من سكان مخيم جباليا ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرآى من جنود الحاجز، وعلى أثر ذلك اندلع بركان الغضب الشعبي صباح اليوم التالي من مخيم جباليا حيث يقطن أهالي الضحايا الأبرياء ليشمل قطاع غزة برمته وتتردد أصداؤه بعنف أيضاً في الضفة الغربية المحتلة، وهنا وفيما يتعرض شعبنا اليوم يوميا للقتل والاعتقال وهدم المنازل ومصادرة الاراضي، لا أدري كيف لا يهب شعبنا وكل فصائله هبة رجل واحد مدعوما بمواقف زعمائه كما حدث عام ١٩٨٧ عندما قام زعماء فتح برئاسة الشهيد الرمز أبو عمار والشهيد أبو جهاد رحمهما الله وباقي القيادة وكذا الشهيد الشيخ أحمد ياسين وقيادة حماس، وقيادات كل الفصائل بدعم لامحدود لتلك الانتفاضة، التي أرغمت إسرائيل على الإعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا لشعبنا الفلسطيني والدخول في مفاوضات بموجبها عاد جميع قادة الفصائل وكوادرها ومقاتلوها الى أرض الوطن بموجب إتفاق اوسلو.
وهنا لا بد من تذكير الجميع من قادة سياسيين ورجال دين ومفكرين بواجبهم في هذا الظرف الدقيق، فالواجب يقتضي من الجميع النضال ضد هذاالمحتل، دون تأخير، ومن واجب كل فلسطيني أن يدافع عن مقدساته وشرفة وكرامته إرضاءً لله سبحانه وتعالى وانسجاما مع واجبه الأخلاقي والإنساني.
إنها مسؤولية الجميع اليوم ولا يعقل أن تبقى ردود أفعالنا تقتصر على البيانات والرفض النظري الذي لا يردع هذا الاحتلال، كما لا يعقل أن ننتظر ما سيعلنه الاحتلال من ضم جزئي أو كلي حتى نحدد تحركنا والأجدر أن نلتفت إلى القدس الذي يكرس الاحتلال ضمها بعد الإعتراف الاميركي بها عاصمة له ويوسع بناء المستعمرات فيها وأن نلتفت الى كل ممارسات الاحتلال الجارية في الأراضي المحتلة ويجب ان تكون القدس على رأس جدول الأعمال وأن يبدأ نضالنا دون تأخير من القدس وكافة أنحاء الوطن بهبة رجل واحد وصوت واحد وبوحدة حقيقية يصل صدى صوتها ونضالها إلى كل أرجاء الأرض… والله المستعان