بقلم: نبيل عمرو
من ينظر بموضوعية الى التصعيد الأخير الذي تدرج في مساره حد الاقتراب من الحرب، وراقب حركة السيد العمادي وحقيبته التي قيل انها كادت تصل الى طريق مسدود، كان منطقيا ان يتوقع تسوية في نهاية المطاف ومنطقيا كذلك ان يتوقع النتائج.
الأرضية التي انتجت التفاهم على النقاط التي اعلن عنها هي الرغبة المشتركة بين إسرائيل وحماس في عدم الانجرار الى حرب أوسع من حرب التنقيط والهشيم، والتنقيط معناه بالون هنا واكثر هناك، وقصف هنا وآخر هناك، والهشيم ما يعلن عنه عادة من أن البالونات تسقط على ارض فراغ وتشعل نارا محدودة تستطيع إسرائيل اقناع مستوطني غلاف غزة بأنها مجرد ازعاج لا يستحق حربا، وكذلك وان بقوة اشد تقصف إسرائيل ارضا فراغا وبوسعها القول انها ضربت أهدافا لحماس، وهذا المسار سمح بنبرات تهديد ووعيد عالية من كلا الجانبين ولا اكثر من ذلك.
السفير العمادي حامل الشيفرة التي تعمل بكفاءة كأحد العناصر الحاسمة في مجريات الأمور على الجبهة الحمساوية الإسرائيلية، صار خبيرا في الرموز وانضاج التفاهمات فهو ليس مجرد مبعوث يحمل مطالبات وردود عليها، ففي رحلاته التي لا تعد ولا تحصى بين تل ابيب وغزة، برع في توظيف الحقيبة على كلا الاتجاهين، فيأخذ من إسرائيل تجديدا مؤقتا لوظيفتها ويأخذ من الاشقاء الحمساويين استجابة يصعب على غيره الحصول عليها… واسألوا الوفود المصرية.
الوضع في غزة وخصوصا بعد إنذارات كورونا المستجدة، لا يحتمل تعريف ما حدث على انه اتفاق يمكن ان يبنى عليه لفترة طويلة فكل اتفاق او تفاهم كان يتوصل اليه الوسطاء وقف موضوعيا فوق رمال متحركة، وكان من الهشاشة بحيث تذروه الرياح التي غالبا ما تهب من إسرائيل التي تعرف كيف تفرض معادلة الهدوء مقابل الهدوء وهي المعادلة التوأم للسلام مقابل السلام.
والمعادلتان تقومان على نظرية خذ كل شيء من الفلسطينيين واعطهم بعض ما اخذته منهم، هاتان المعادلتان تحكمان السياسة الإسرائيلية الثابتة تجاه التسوية السياسية بشأن القضية الفلسطينية وتحكم السياسة الدائمة وحتى اليومية تجاه غزة ولك ان تتخيل مآلات ما يبنى وفق معادلات من هذا النوع، ومن قبل خصم يملك مفاتيح الاقفال التي تغلق السجن الغزي من البر والبحر والجو.
التفاهمات التي جرت مع إسرائيل منذ استيلاء حماس على الوضع في غزة، كانت بمثابة وقف طويل او قصير الأمد لقتال لا يفضي الا الى هدنة هشة يسهل تبديدها بفعل اجندة أي طرف من أطراف الاشتباك الدائم هناك.
كان واضحا ان دافع الهدوء على الجانب الغزي غالبا ان لم يكن دائما هو عدم القدرة على احتمال تدمير منهجي يقوم به الإسرائيليون بوتائر متفاوتة مع تهديد يطلقونه بين وقت وآخر بالعودة الى عمليات الاغتيال ربما بديلا اكثر فاعلية عن الاجتياح البري المحفوف بالخسائر ….
وحماس صاحبة اللغة العالية في التهديد، والحسابات المتواضعة في المطالب، تعرف متى تضع كلمتها الأخيرة في اذن العمادي، الرجل الذي تعود العمل بين حدي الحقيبة والسكين وحين يتوصل الى تفاهم مدفوع الكلفة يبدأ من جديد اعداد نفسه للعملية القادمة وهكذا.