منذ الإعلان عن الاتفاق بين إسرائيل والإمارات، يعلن كتّاب ومثقفون فلسطينيون وعرب انسحابهم من أنشطة وجوائز ثقافية تنظمها الإمارات، للتعبير عن رفضهم لتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية ودعمهم للقضية الفلسطينية.
وكان المصوّر الفلسطيني محمد بدارنة من أول المنسحبين من معرض للصور الفوتوغرافية تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون.
على صفحته على “فيسبوك”، كتب باللغتين العربية والإنكليزية مخاطباً المؤسسة، “انطلاقاً من إيماني بأن الفن ما لم يكن مشتبكا بالقضايا الإنسانية والعدالة فلا قيمة له، أعلن سحب مشاركتي من معرضكم”.
ويقول بدارنة المقيم في برلين لوكالة فرانس برس “لم يكن قرار انسحابي يحتاج الكثير من التفكير، وكجزء من شعوب واقعة تحت الاحتلال، علينا اتخاذ مواقف ضد كل ما هو متصل بالتصالح مع الاحتلال وتحويله إلى حالة طبيعية”.
وكان يفترض ببدارنة المشاركة في 29 آب/أغسطس في معرض “وجهة نظر 8” بصور من مجموعته “إيفري داي بالستاين”.
ويوضح بدارنة أنها ليست المرة الأولى التي يقرر فيها الانسحاب من نشاطات فنية بسبب “صلتها بالاحتلال”.
وأعلن في 13 آب/أغسطس عن اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات بوساطة أميركية. وألغت الإمارات السبت قانون مقاطعة إسرائيل الذي بدأ العمل به في العام 1972.
وندد الفلسطينيون بالخطوة الإماراتية التي اعتبروها “طعنة في الظهر”. ودعا وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف المثقفين العرب الى “الاصطفاف (…) حفاظا على هويتنا العربية”.
من العاصمة الأردنية عمان، أعلن الشاعر والروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم سحب ترشيح روايته “بروميثانا” للجائزة العالمية للرواية العربية (أي باف).
وتنظم الجائزة بدعم من دائرة ثقافة وسياحة أبو ظبي في الإمارات وبالشراكة مع مؤسسة جائزة “بوكر” في لندن، وفق ما يقول موقعها الإلكتروني.
ويقول أبو سليم: إنها خطوة “منسجمة مع توجهاتي الإنسانية قبل الأدبية ومقدمة لدوري في التغيير”.
ويرى الروائي الفلسطيني أن “الجائزة في هذه الحالة تكون عدم الحصول على الجائزة، أما الحصول عليها فسيعد خطيئة”.
وأكد الكاتب والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب أنه رفض ترؤس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية هذا العام، علما أنه عضو سابق في مجلس أمنائها.
وأعلن الشاعر المغربي محمد بنيس انسحابه من عضوية الهيئة العلمية لجائزة الشيخ زايد للكتاب التي تحمل اسم أول رئيس لدولة الإمارات.
ولم تتوقف الكاتبة الإماراتية ظبية خميس منذ 13 آب/أغسطس الذي اعتبرته “يوما حزينا وكارثيا”، عن مشاركة متابعيها بالمنشورات التي تعبر عن رفضها للاتفاق.
وكتبت في إحداها “لا للتطبيع مع إسرائيل في الإمارات والخليج العربي، إسرائيل عدو للأمة العربية بكاملها”.
وأكد مثقفون في كل من البحرين والمغرب وعُمان وقطر والجزائر والعراق وتونس وغيرها من الدول العربية رفضهم الاتفاق في بيانات ومنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ورحبت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل (بي دي إس) بهذه المقاطعة التي اعتبرتها “استجابة طبيعية”.
وقال عمر البرغوثي، أحد مؤسسي اللجنة، “لم تأتِ هذه الانسحابات فقط استجابةً للنداء الذي أطلقته حركة المقاطعة، ولكنّها أيضاً استجابة طبيعية وطنية من المثقفين والمثقفات العرب”.
واعتبر أن المقاطعة “تبشّر بأن هذا التحالف (…) لن يلقَ إلا النبذ والتخوين من غالبية الشعوب العربية، ومن ضمنها شعوب دول الخليج”.
وأشار البرغوثي إلى أن إلغاء الإمارات قانون مقاطعة إسرائيل هو “تكريس للتحالف بين نظامين مجرِميْن ورسالة معادية للشعوب العربية، ومنها الشعب الفلسطيني”.
ووقع سبع عشرة من الفائزين السابقين بالجائزة العالمية للرواية العربية ومن رؤساء وأعضاء لجان تحكيم وأعضاء مجلس أمناء سابقين من جنسيات عربية مختلفة، على نداء وجّه الى مجلس أمناء الجائزة يطالب بوقف التمويل الإماراتي لها.
وجاء في النداء “في ضوء التطبيع الرسمي لدولة الإمارات مع الكيان الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي (…)، فإننا… ندعو مجلس الأمناء الحالي إلى تحمُّل مسؤوليته الثقافية التاريخية في حماية الجائزة عبر إنهاء التمويل الإماراتي، وذلك حفاظا على مصداقية الجائزة واستقلاليتها”.
ويرى أبو سليم أن الانسحابات قد تنعكس سلبا على أصحابها، لكنه يضيف “أنا مثقف منحاز لفلسطين، مهما بلغت الكلفة”.
ويوضح أن “من يسيطر على الفعاليات الثقافية جهات رسمية على الأغلب، وبالتالي سيتم استثناؤنا من هذه الفعاليات”.
ويقول بدارنة إن المشاركة في المعارض تمثل “فرصة لعرض الرؤية الفنية وعرض القضايا والمنافسة أيضا (…)، لكن هناك ميزان ومعايير علينا اتباعها”.
وقد يفسّر هذا تفضيل البعض الصمت على التخلي عن امتيازات مثل هكذا مشاركات ثقافية.
ويعلق الشاعر الفلسطيني ومدير تحرير “فسحة ثقافية فلسطينية” علي مواسي بالقول “كثيرون من أهل الثقافة في العالم العربي سيمارسون الصمت تجاه طعن الحقوق والحريات الفلسطينية، استمتاعا بالفرص والامتيازات التي يوفرها المال الإماراتي”.
ويعتقد مواسي أيضا أن الشارع العربي والإسلامي لن يتأثر باتفاق تطبيع العلاقات ثقافيا.
ويستشهد مواسي باتفاقات السلام التي وقعتها إسرائيل مع كل من مصر (1979)، والأردن (1994)، قائلا “ما زال أهل الثقافة والفن الأردنيون والمصريون يرفضون التعاون مع أي شيء له علاقة بإسرائيل”، رغم مرور الزمن.