غداة اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده، اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني، إسرائيل “العميلة” لـ”الاستكبار العالمي” بالوقوف وراء هذه العملية وبأنها تسعى إلى التسبب ب”فوضى”.
وقال روحاني في بيان نشر الموقع الإلكتروني للرئاسة ترجمته الى العربية “مرة أخرى، تلطخت أيدي الاستكبار العالمي وعميله الكيان الصهيوني بدم أحد من أولاد” الجمهورية الإسلامية، واصفا فخري زاده “الرشيد والكبير”. وعادة ما تستخدم إيران عبارة “الاستكبار العالمي” للدلالة إلى الولايات المتحدة.
واعتبر الرئيس الإيراني مقتل فخري زاده بمثابة “خسارة فادحة”.
ويعدّ فخري زاده من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أدرجت اسمه على لائحة العقوبات العام 2008 على خلفية “نشاطات وعمليات ساهمت في تطوير برنامج إيران النووي”، واتهمته اسرائيل سابقا بالوقوف خلف البرنامج النووي “العسكري” الذي تنفي إيران وجوده.
وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن وصف فخري زاده بأنه “أب البرنامج النووي العسكري الإيراني”. ورفضت إسرائيل حتى الآن التعليق على الاغتيال.
وكانت وزارة الدفاع الإيرانية أعلنت الجمعة وفاة فخري زاده متأثرا بجروحه بعيد استهدافه من قبل “عناصر إرهابية”. وأوضحت أنه أصيب “بجروح خطرة” بعد استهداف سيارته من مهاجمين اشتبكوا بالرصاص مع مرافقيه، و”استشهد” في المستشفى رغم محاولات إنعاشه.
ووقعت العملية في مدينة أبسرد في مقاطعة دماوند شرق طهران.
وسارعت إيران منذ الجمعة إلى تحميل إسرائيل المسؤولية، فتحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تغريدة عن “مؤشرات جدية” لدور للدولة العبرية في الاغتيال.
ورأى روحاني السبت أن “هذا الحادث الإرهابي الشنيع ناتج عن عجز ألد الأعداء للشعب الإيراني أمام الحراك العلمي وقدرات هذا الشعب الكبير وهزائمهم المتكررة في المنطقة والمجالات السياسية الأخرى عالميا”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الجمعة عن مسؤول أميركي ومسؤولَين استخباريين أن إسرائيل “تقف خلف الهجوم على العالِم”.
وأتى الاغتيال قبل نحو شهرين من تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهامه، وهو الذي وعد بـ”تغيير مسار” سلفه المنتهية ولايته دونالد ترامب مع إيران. واعتمد الأخير سياسة “ضغوط قصوى” حيال طهران، شملت خصوصا الانسحاب الأحادي الجانب العام 2018 من الاتفاق حول برنامجها النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.
وحذّر محللون ومسؤولون سابقون، من أن العملية تهدد بزيادة التوتر في المنطقة، لا سيما بين طهران من جهة، وواشنطن وحليفتها تل أبيب.
ورأت إيللي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عبر تويتر أن الهدف من هذا الاغتيال “ليس التأثير على برنامج (إيران) النووي، بل تقويض الدبلوماسية”.
وأشارت الى أن زيارات مسؤولين أميركيين في الآونة الأخيرة الى إسرائيل والسعودية، الخصم الإقليمي لإيران، وأبرزهم وزير الخارجية مايك بومبيو “أثارت القلق من أنه يتم التحضير لأمر ما” هدفه “استفزاز إيران وإعاقة المقاربة الدبلوماسية لبايدن” الذي كان نائبا للرئيس باراك أوباما لدى إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى العام 2015 في فيينا.
كذلك، رأى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” جون برينان، أن الاغتيال “عمل إجرامي ومتهوّر”، محذّرا من أنه قد يدفع الى “تصعيد (…) وجولة جديدة من نزاع اقليمي”.
وفي طهران، توعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري بالانتقام لاغتيال العالم النووي.
ورأى حسين دهقان، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للشؤون العسكرية والضابط البارز السابق في الحرس الثوري، أن عملية الاغتيال نفذتها إسرائيل للدفع نحو “حرب شاملة”.
وهذا الاغتيال هو الأحدث في سلسلة عمليات اغتيال طالت خلال الأعوام الماضية عددا من العلماء الإيرانيين في المجال النووي. ودائما ما وجهت طهران أصابع الاتهام الى إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
وتدعو الدولة العبرية إلى “عقوبات دولية مشددة” على إيران بسبب برنامجها النووي، علما بأن طهران تنفي أي مسعى لتطوير سلاح نووي.
وفي ظل انقطاع العلاقات منذ عقود بين إيران والولايات المتحدة، شهد الوضع بين البلدين تصعيدا في التوتر خلال عهد ترامب، لا سيما في أعقاب اغتيال واشنطن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، بضربة جوية قرب مطار بغداد في كانون الثاني/يناير الماضي.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت قبل أسبوعين تقريبا أنّ ترامب استطلع آراء عدد من مستشاريه وكبار المسؤولين بشأن إمكانية “التحرّك” في غضون أسابيع ضدّ موقع نووي إيراني. لكنهم اقنعوه بعدم المضي قدما في “شن ضربة عسكرية” خوفا من أن تؤدي إلى نزاع واسع النطاق.
وأتى اغتيال فخري زاده بعد حوالى أسبوعين من تقرير لصحيفة نيويورك تايمز” أيضا، عن اغتيال المسؤول الثاني في تنظيم القاعدة عبدالله أحمد عبدلله المكنّى “أبو محمد المصري”، سرا في طهران في آب/أغسطس الماضي، على يد “عملاء اسرائيليين”، بناء على طلب أميركي.