نبيل عمرو
لم يستفق الفلسطينيون بعد من صدمة مقتل نزار بنات.. الصدمة التي هزت ارواحهم وضمائرهم وايقظت في دواخلهم خوفا من حاضرهم على مستقبلهم.
ردود الافعال التي نجمت عن هذه الواقعة المأساوية طبيعية وبديهية، اساسها وطني واخلاقي، فالفلسطينيون يقلقون اذا ما تمادى صراع بين عائلتين وادى الى اسالة دم فكيف لا يقلقون ويخافون حين يقتل فلسطيني على يد مجموعة ممن يفترض انها تحمل السلاح من اجل الدفاع عنه .
واقعة اعتقال ووفاة بنات فتحت الابواب امام تساؤلات مشروعة وفتحتها كذلك امام استخدامات املاها صراع الاجندات المحتدم بشتى الدوافع والاغطية والاهداف، ولقد أدى الافراط في هذه الاستخدامات الى مضاعفة الشعور بالقلق حد الرعب كما ادى الى تداول مصطلحات من شأنها ان تصب زيتا على النار التي هي في الاساس ليست بحاجة الى ذلك.
اما المراقبون عن قرب وعن بعد فقد بلغ بهم الامر حد وصف الاحتجاجات الشعبية السلمية والمحقة كما لو انها مقدمة لحرب اهلية، ما اوشك على نقل الحالة من دوافعها الاخلاقية والوطنية والقيمية الى حالة تبدو كما لو انها فصل من فصول صراع الاجندات الذي لم يتوقف يوما واحدا في بلادنا.
شئنا ام ابينا فان صراع الاجندات الذي لم يجد حتى الان حلا وطنيا حاسما فلا بد بداهة من ان يقود المتورطين فيه وهم كثر الى استخدام كل صغيرة وكبيرة لمصلحة اجندة ضد الاخرى، واذا كان هذا التطور المخيف هو من صنع ارباب الاجندات ومتطلبات صراعهم فما الذي يجب ان يعمل لمعالجة ذلك؟ وكيف ينبغي ان تمارس المسؤوليات ازاء وضع خطير كهذا؟ وهنا يظهر سؤال الاسئلة حول سياسة السلطة الرسمية التي يعتبر نزار بنات ومن هم مثله من رعاياها مثلما يعتبر من قتلوه من العاملين في هياكلها ومؤسساتها .
منذ اللحظات الاولى لانتشار نبأ موت نزار بنات وقعت السلطة الرسمية بما تقع به دائما في مواجهة الازمات المتتالية وخصوصا الكبرى منها ، وقد لاحظ الناس خمولا وبطئا في المبادرة والحركة لا يتناسبان مع هول مع حدث وتركزت رواية السلطة الرسمية على قانونية اجراء الاعتقال وتشكيل لجنة تحقيق وعلى الجميع ان يهدأ ويكتم انفعالاته الى حين التئام اللجنة وما ستصل اليه من خلاصات.
لم تنتبه السلطة الى ان سمعة لجان التحقيق وبفعل التجربة سيئة على نحو يثير الشكوك والتساؤلات اكثر بكثير مما يسوغ الثقة بها وانتظار نتائجها ، كانت اجراءات السلطة البطيئة والباردة قد دخلت في سباق مع شارع ملتهب سريع الحركة في الاحتجاج ويفترض ان السلطة الرسمية اخذت الدرس من رد فعل الشارع على امور اقل بكثير من واقعة نزار بنات، ومما يثير الاستغراب والدهشة ان الموقف الخامل والمتراخي الذي ظهر في البدايات تطور ليصبح نشيطا ومبادرا ولكن في الاتجاه الخطأ ما اثار حفيظة كل من يراقب المشهد داخليا وخارجيا وكأن لسان حالهم يقول ما هكذا يا سلطة.
وفي الحديث عن السلطة الرسمية التي ذراعها التنفيذية الحكومة التي تسمى جزافاً بحكومة فتح، وهنا لا مناص من قراءة امينة وموضوعية لواقع وموقع الحركة الكبرى من كل ما يجري على ارض الوطن ذلك ان فتح ليست بالفصيل ولا الحزب الحديدي ولا حتى المسؤولة الاولى والاخيرة عن كل ما تفعل الحكومة الممهورة بختمها، الا ان فتح تتحمل المسؤولية الاولى عن كل ما يجري في نطاق شارعها الواسع، لهذا فهي كحركة او كتنظيم او اطارات لم تبيت امرا كالذي حدث مع نزار بنات واذا ما دققت في وجوه المشاركين في الاحتجاجات فسوف ترى فتحاويين من كافة المشارب والاجتهادات واذا ما تابعت مواقع التواصل الاجتماعي فلا بد وان تقرأ وتسمع وترى تنديدا فتحاويا قويا بما حدث ، غير ان ما يتعين على فتح تجنبه عاجلا وليس آجلا الانجرار وراء من يسعى الى تصوير مقتل نزار بنات كما لو انه قرار فتحاوي.
ما العمل اذا؟؟ والمسؤولية هنا مشتركة بحجم ما هي المآسي مشتركة كذلك.
ان ثلاث حلقات ينبغي ان يتم العمل بها لاخراج البلد والناس من الحالة التي وصلا اليها، اولها نزع الفتيل بوضع المعلومات كاملة حول ما حدث خصوصا وان لا اسرار فيه، واذا كانت المرونة ونزع الفتيل يتطلب تغيير لجنة التحقيق بمشاركة آخرين من الفلسطينيين تحديدا، فلا بأس من ذلك، لكي توضع خلاصات مقنعة للجمهور تتضمن اجراءات قانونية للمحاسبة الفورية.
وثانيها ان تعزل السلطة السمية نفسهاعن ان تكون طرفا وليست حكما يُخضع كل حركة وسكنة للقانون ولمبدأ ان السلطة مسؤولة عن امن وسلامة المعارضين قبل الموالين.
وثالثها ان نعود الى نظام المؤسسة التي ينبغي ان تدير شؤوننا من الالف الى الياء بعيدا عن الارتجال والاجتهادات الفردية التي كانت دائما تضاعف الخطأ والخطر ولأن الشيء بالشيء يذكر وما زلنا جميعا واقعين تحت القلق من تعثرات اعادة اعمار غزة فما ينبغي ان يمارس كأولوية موازية هو اعادة اعمار النظام السياسي الذي لو بقي على حاله فلن نتوقف عن احصاء الكوارث وتشكيل لجان التحقيق.