تزامناً مع سفر بعثة أمنية تفاوضية إلى الدوحة، اليوم، تتزايد الانتقادات داخل إسرائيل الموجّهة لائتلافها برئاسة نتنياهو تتهمه بالفشل في إدارة الحرب على غزة، والعلاقات الخارجية، داعيةً للتعامل الجاد مع فرصة ثمينة لإنجاز صفقة مهمة للمخطوفين ولأمن إسرائيل القومي.
ويفترض أن تغادر بعثة إسرائيلية برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنياع لقطر مع صلاحيات أكثر مما كان لها في المرة السابقة، لكنها أقل مما تريده المؤسسة الأمنية، وفق ما قالته الإذاعة العبرية، اليوم.
وفي الليلة الفائتة، اجتمع مجلس الحرب، وبعده المجلس الوزاري الموسّع، لمواصلة النظر بمقترحات “حماس” لصفقة جديدة، وبصلاحيات الطاقم المفاوض في الدوحة. وفي هذا الخصوص رفض وزير الخارجية في حكومة الاحتلال يسرائيل كاتس الرد على سؤال حول قرار مجلس الحرب حول صلاحية المتفاوضين.
ولليوم الثاني على التوالي، تنقل صحيفتا “يديعوت أحرونوت” و”هآرتس” عن مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قولها إن مقترحات “حماس” سيئة، لكنها تشكّل أساساً حقيقياً لمفاوضات، وإنها تخشى أن نتنياهو بنفسه هو الذي يعيق الصفقة، وقال المحلل العسكري عاموس هارئيل إنه “عشية لحظة الحسم في المفاوضات، اليوم، يبدو أن حكومة نتنياهو لا تسارع لأي مكان”.
نتنياهو يوبّخ العالم
وفيما تتجه الأنظار إلى الدوحة، اليوم، تتواصل الجدالات الداخلية في إسرائيل حول التلاسن مع بايدن، وحول الصفقة واحتمالاتها وأولويتها، وذلك بعد التصعيد اللفظي بين رئيس حكومتها نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن.
وكان نتنياهو، أمس، قد انتقل، كعادته، من الدفاع للهجوم، وحَمَلَ هو وبعض وزرائه بشكل غير مسبوق على الإدارة الأمريكية، وعلى المجتمع الدولي، موبّخاً بالقول “هل نسيتم السابع من أكتوبر؟”.
رغم حديثه بالإنكليزية، فقد كان نتنياهو عملياً يخاطب الإسرائيليين، وبالتحديد جمهوره الحزبي، مراهناً على كسب نقاط سياسية تحسّن موقعه السياسي المهتز، من خلال صورة الزعيم القوي القادر على القول لا للولايات المتحدة دفاعاً عن مصالح إسرائيل العليا، محاولاً الاستفادة من رغبة أغلبية الإسرائيليين بمواصلة الحرب الآن، أو بعد صفقة تبادل وهدنة،حتى يتم تحقيق أهداف الحرب ومنع “حماس” من “شارة انتصار”.
نتنياهو ما زال طامعاً بانتصار على “حماس”، أو صورة انتصار تستعيد الهيبة المضروبة منذ السابع من أكتوبر، ويسعى كذلك لاستبعاد صفقة تشمل أفقاً سياسياً تتكاتب مع فكرة الدولتين المطروحة بقوة في العالم، اليوم، مثلما يهدف للحفاظ على ائتلافه، واستبعاد يوم الحساب الداخلي.
حماقة إستراتيجية
وحمل الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد على نتنياهو وحكومته، وقال إن مهاجمتهم غير المسبوقة لبايدن تعبير عن نكران جميل وفشل إستراتيجي من الطراز الأول.
في مقال بعنوان “حماقة إستراتيجية”، تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، يقول جلعاد إن أمريكا هي الحليف الحقيقي الوحيد، وبايدن الرئيس الأكثر ودّاً لإسرائيل، مرجّحاً أن حسابات سياسية صغيرة داخلية لدى نتنياهو تستبدل إستراتيجية لأمن قومي ومستقبل إسرائيل.
ويمضي جلعاد في تحذيراته: “أمريكا أنقذت إسرائيل في السابع من أكتوبر، ومكّنت جيشها أن ينهض على قدميه، وضرب “حماس” ضربات موجعة، ولكن فجأة جاء تصريح نتنياهو حول إستراتيجية النصر المطلق المحكومة بالفشل، والمساس بمنجزات الجيش لأنه يتجاهل التحالف مع الولايات المتحدة”.
ويعتبر جلعاد أن إسرائيل تفوّت فرصة من الأحلام تكمن بنظرية بايدن للتطبيع، والتحالف مع دول عربية والاندماج في المنطقة، منبّهاً إلى أنه “بدون ترميم القطاع، وقيادة فلسطينية أصلية، فإن إسرائيل ستنجرّ لاحتلال مباشر في غزة المصابة بكارثة، ودون أفق سياسي لا يمكن أن نجد حلاً في الشمال تشمل عودة النازحين من الجليل لبيوتهم، علماً أن الحرب مع “حزب الله” تنطوي على مخاطر إستراتيجية خطيرة”.
حكمة إستراتيجية
كما يرى جلعاد أن “اجتياح رفح سيمسّ بعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة ومصر، ورغم حيويتها العسكرية فإن هذه العملية غير ممكنة دون تنسيق معهما، محذّراً أنه مع استمرار الإهانات الموجهة للإدارة الأمريكية فإن القبة الحديدية العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية الأمريكية من شأنها أن تتضرر”.
ويخلص الجنرال الإسرائيلي جلعاد للقول: “إسرائيل، كدولة صغيرة، لا تستطيع العيش لوحدها واعتماداً على نفسها فقط. على نتنياهو وضع عودة المخطوفين أحياءً كقيمة عليا لا بديل لها”.
وبشأن أهداف الحرب، يرى جلعاد بالتلميح أنه بإمكان إسرائيل وقفها الآن، بقوله إنه بمقدورها ترجمة مكاسبها في غزة وجنوب لبنان لأرباح إستراتيجية تعزّز أمنها ومستقبلها، بيد أن الالتزام بإستراتيجية النصر المطلق، وفقدان التنسيق مع واشنطن، سيلحقان ضرراً بذلك.
ويضيف خاتماً: “هذا هو الوقت لحكمة إستراتيجية: على أساس مكاسبنا العسكرية المثيرة للانطباع”.
وسبق جلعاد، الجنرال يتسحاق بريك، المعروف بنبيّ الغضب، كونه قد تنبّأ بالسابع من أكتوبر منذ سنوات، في مقال نشرته “معاريف” أمس “فَتَحَ فيه النار” على نتنياهو وائتلافه، وقال إن إسرائيل خسرت الحرب في غزة لعدم حيازتها رؤية إستراتيجية، مؤكداً أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية “غير مستعدة لحرب إقليمية واسعة. كما قال بريك إنه منذ 7 أكتوبر 2023 تشن إسرائيل حرباً مدمرة على قطاع غزة خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، فضلاً عن كارثة إنسانية غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة “الإبادة الجماعية”، للمرة الأولى منذ تأسيسها.
وفي لغة واضحة مباشرة، حذر الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، في حديث للإذاعة العبرية، من فقدان الجيش كل مكاسبه في القطاع، محذّراً من أن إسرائيل تتجه لخسارة الحرب بسبب الفشل في إدارتها، خاصة عدم توفير خطة لليوم التالي، وخطة للمساعدات الإنسانية التي تسبّب نشوء حالة صومالية في غزة.
وتبعه، في حديث لذات الإذاعة، قنصل إسرائيل في نيويورك سابقاً ألون بينكاس، الذي قال محذّراً إننا نفقد صداقتنا مع الولايات المتحدة على مذبح مصالح فئوية، وينضم هو الآخر للمنبهين من فقدان ملاحظة الخط الفاصل بين الواقع وبين الوهم بالاعتقاد أن إسرائيل يمكن أن تتنازل عن دعم أمريكا وتبقى هنا في الشرق.
غزة ليست سنغافورة
ويواصل المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع توجيه الانتقادات لحكومة الاحتلال، منذ السابع من أكتوبر، ويؤكد أن رفض نتنياهو، طيلة خمسة شهور، تحديد اليوم التالي حوّلَ القتال داخل غزة لمراوحة في المكان ولكارثة إنسانية ودبلوماسية، وكارثة من ناحية صورة إسرائيل في العالم.
ويمضي في الانتقادات بلهجة ساخرة: “خطة نتنياهو لتحويل غزة لسنغافورة كذبة كبيرة: بخلاف مزاعم نتنياهو، الإمارات غير مكترثة.. ولا توجد جهة متحمسة للسيطرة على غزة عدا “حماس” وبن غفير وسموتريتش. رابين قال مرة إن الحل الأفضل هو غرق غزة بالبحر، وهذا لم يحدث، وسنغافورة أيضاً لن تقام فيها. أحياناً الأحلام لا تتحقق”.
ليس فقط بين بايدن ونتنياهو
وأبرزت صحيفة “يديعوت أحرونوت” تصعيد لهجة السجال بين نتنياهو وبايدن باختيار عنوانها الرئيس اليوم: “صدام”، لكنها تحذّر من أن التوتر بينهما ينزلق نحو أزمة دراماتيكية بين إسرائيل وبين حليفتها الأهم.
ويعبّر كاريكاتير الصحيفة، اليوم، عن ذلك بإظهاره بايدن ونتنياهو في مناظرة، فيما يجلس جانباً المرشح ترامب يتناول الفوشار ويحتسي الكولا.