ترامب يهدد بفرض حصار كامل على فنزويلا لاستعادة النفط والأصول الأميركية

23 ديسمبر 2025آخر تحديث :
ترامب يهدد بفرض حصار كامل على فنزويلا لاستعادة النفط والأصول الأميركية

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري إن مصادرة أصول شركات النفط الأميركية تبرر “حصارا كاملا وصارما” على ناقلات النفط القادمة والمغادرة من فنزويلا متحدية العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

وكتب في منصة تروث سوشيال أن “الحصار سيبقى قائما حتى تعيد فنزويلا إلى الولايات المتحدة كل النفط والأراضي والأصول الأخرى التي سرقتها منا سابقا”. وعقب ذلك تحدث للصحفيين، وأضاف “لن يفعلوا ذلك مرة أخرى. كان لدينا الكثير من النفط هناك. طردوا شركاتنا، ونريد استعادتها”.

من جانبه، غرد ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي ترامب ومستشار الأمن الداخلي للرئيس الأميركي، على منصة إكس، بالقول إن “العِرق الأميركي والابتكار والكفاح الشاق هم من أنشؤوا صناعة النفط في فنزويلا. أمّا مصادرتهم التعسفية فكانت أكبر عملية سرقة مسجّلة. ثم استُخدمت هذه الأصول المنهوبة لتمويل الإرهاب وإغراق شوارعنا بالقتلة والمرتزقة والمخدرات”.

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الحصار الأميركي إذا استمر، سيشل مالية الحكومة الفنزويلية لأنها تعتمد بشكل كبير على الإيرادات الناتجة عن صادرات النفط.

يُذكر أن احتياطيات النفط في فنزويلا من بين الأكبر في العالم حتى وإن انخفض الإنتاج نتيجة “سوء الإدارة والفساد” والعقوبات الأميركية. وبفضل عائداته، استمتع الفنزويليون ببعض أعلى مستويات المعيشة في المنطقة حتى ثمانينيات القرن الماضي. كما أن السياسي الفنزويلي خوان بابلو بيريز ألفونسو، يُعد بمثابة العقل المفكر والأب الروحي لفكرة إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) عام 1960.

وكان الرئيس اليميني خوان فيسنتي غوميز، الذي حكم فنزويلا بدعم من واشنطن من عام 1908 إلى 1935، قد منح تنازلات ضخمة لثلاث شركات نفط أجنبية، أميركيتين وبريطانية، سيطرت على 98% من صناعة النفط الفنزويلية.

ولسنوات طويلة كانت كراكاس ثاني أكبر منتج للنفط وأكبر مصدر له في العالم، حيث يشكل أكثر من 90% من إجمالي صادراتها. ولم تكن الشركات الأميركية تملك آبار النفط فقط، بل بنت مدنا ومستشفيات ومدارس ومرافق مختلفة لآلاف العمال الأميركيين وعائلاتهم. وبحلول أوائل الستينيات، شكل الأميركيون في فنزويلا أكبر تجمع لهم خارج الحدود الأميركية، وفقا لما جاء في حديث إذاعي للمؤرخة جوديث إيويل.

وفي عهد الرئيس السابق إيزياس مدينا أنغاريتا، أقرت الحكومة الفنزويلية قانونا في عام 1943 يلزم شركات النفط الأجنبية بالتنازل عن نصف أرباحها لها. ثم استمرت محاولات التأميم الكامل للنفط الفنزويلي بتشريعات مختلفة حتى عام 1975، ولم تقم واشنطن بأي رد فعل قوى حيث كانت أكثر اهتماما بأن تكون كراكاس مزودا للنفط الرخيص نسبيا بدلا من فرض عقوبات وانهيار إنتاج نفط أحد أكبر الدول المصدرة له في العالم.

ثم وقّع الرئيس كارلوس أندريس بيريز، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على مشروع القانون ليصبح قانونا في أغسطس/آب 1975.

وفي يناير/كانون الثاني 1976، تولت شركة النفط الحكومية الفنزويلية “بيتروليوس دي فنزويلا”، استكشاف وإنتاج وتكرير وتصدير النفط عقب قيام حكومة كراكاس بتأميم المئات من شركات النفط المسيطرة على استخراجه وتكريره وبيعه، وأممت كذلك الأصول المملوكة للأجانب، بما في ذلك مشاريع تديرها شركة إكسون موبيل الأميركية العملاقة.

وفي عام 2007، أكمل هوغو شافيز، الرئيس السابق ذو الميول الاشتراكية، السيطرة على آخر عمليات استخراج وتكرير النفط التي يديرها القطاع الخاص في منطقة “حزام أورينوكو”، الذي يضم أكبر حقول النفط في فنزويلا، كما أمم لاحقا في العام نفسه الغاز الطبيعي.

الحصار سيبقى قائما حتى تعيد فنزويلا إلى الولايات المتحدة كل النفط والأراضي والأصول الأخرى التي سرقتها منا سابقا.

وكان التأميم تتويجا لجهد استمر عقودا من حكومات فنزويلية متتالية مختلفة في توجهاتها الأيديولوجية للاستفادة من أهم موارد البلاد. ولم تكن كراكاس وحدها التي اتبعت سياسة تأميم شركات النفط بعيدا عن استغلال وهيمنة شركات الطاقة الأميركية، إذ سبقتها الكثير من دول العالم الثالث وعلى رأسها المكسيك والبرازيل والعراق والسعودية وليبيا.

وبعد التأميم، تعرضت الشركات الأميركية، بما في ذلك إكسون وموبيل اللتان اندمجتا في 1999، و”جلف أويل” التي أصبحت “شيفرون” في 1984، للكثير من الأضرار، إذ كانتا تسيطران على أكثر من 70% من إنتاج النفط الخام في كراكاس، وخسرتا حوالي 5 مليارات دولار من الأصول، إلا أن الحكومة الفنزويلية عوضت كلا منهما بمليار دولار فقط، ولم تسع هذه الشركات للحصول على تعويضات أكبر.

وعندما تولت شركة النفط الحكومية الفنزويلية السيطرة على عمليات استخراج وتكرير وتصدير النفط في منطقة حزام أورينوكو الغني، لم تتمكن عدة شركات أميركية، منها إكسون موبيل وكونوكو فيليبس، من الاتفاق على شروط عقود جديدة، وسعتا للحصول على تعويض يصل إلى 40 مليار دولار عبر التحكيم الدولي.

وفي عام 2012، منحت غرفة التجارة بمؤسسة التحكيم الدولي إكسون موبيل تعويضا قدره 908 ملايين دولار، وهو أقل من مليار دولار الذي عرضته حكومة كراكاس. ومنحت المحكمة كونوكو فيليبس ملياري دولار في سنة 2018.

وفي 2014، منح المركز الدولي للتحكيم شركتي إكسون موبيل مبلغ 1.6 مليار دولار، وكونوكو فيليبس 8.7 مليارات دولار في 2019. ولم تدفع كراكاس المبالغ كاملة بعد في ظل معاناة اقتصادها من التضخم المفرط والفساد الحكومي والعقوبات الأميركية.

في الوقت ذاته وفي ظل رئاسة نيكولاس مادورو الحالية، انخفضت صادرات النفط التي كانت في السابق بين 3 إلى 4 ملايين برميل يوميا، لتصل إلى 900 ألف برميل يوميا، تذهب معظمها للصين.

وتتهم إدارة ترامب -دون تقديم دلائل- حكومة مادورو باستخدام أموال النفط لتمويل تهريب المخدرات والهجرة غير النظامية للأراضي الأميركية. ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، دمرت القوات الأميركية المنتشرة حول فنزويلا نحو 30 قاربا صغيرا وقتلت أكثر من 100 شخص على متنها، تحت تهمة قيامها بتهريب المخدرات.

وخلال الأسبوع الأخير، صعدت الإدارة ضغوطها بفرض حصار بحري كامل على تحرك ناقلات النفط من وإلى فنزويلا، ثم قامت البحرية الأميركية بالاستيلاء على 3 ناقلات نفط فنزويلية في البحر الكاريبي تحت ذريعة خضوعها للعقوبات الأميركية.

وفي مقال في صحيفة يو إس إيه توداي، قال المعلق كريس برينان إن “حربا بين أميركا وكراكاس ممكنة، خاصة مع تلميح ترامب بشكل غير خفي إلى أن تركيزه على نفط فنزويلا مرتبط بإمكانية تغيير النظام هناك. ترامب يبدو أشبه برجل أعمال مغامر يخطط للاستحواذ على شركة أكثر من كونه رئيسا أميركيا يهتم ببلده. وذلك ظهر جليا مع قراره فرض حصار بحري لناقلات النفط هناك”.

في الوقت ذاته، أظهر استطلاع رأي لجامعة كوينيبياك صدر في 17 ديسمبر/كانون الأول الجاري أن 53% من الأميركيين يعارضون هجمات ترامب على القوارب في مياه فنزويلا، ويعارض 63% العمل العسكري ضدها.