دمر تنظيم “داعش” في شمال العراق مجموعة لا تقدر بثمن من التماثيل والمنحوتات من العصر الآشوري القديم فيما وصف بأنه ضرر لا يمكن حصره بجزء من التراث الإنساني.
وأظهر فيديو نشره “داعش” اليوم الخميس رجالا يحطمون القطع الفنية التي يرجع تاريخ بعضها إلى القرن السابع قبل الميلاد.
ويظهر الشريط المصور قيام عناصر “داعش” بتحطيم تماثيل وآثار يعود تاريخها الى الاف السنين، مستخدمين مطرقات وآلات ثقب كهربائية، في مدينة الموصل في شمال العراق.
الى ذلك، فجر التنظيم اليوم مسجدا أثريا في وسط المدينة التي يسيطر عليها التنظيم الجهادي منذ هجوم كاسح شنه في العراق في حزيران/يونيو.
وقال موظف سابق في متحف الموصل لرويترز إن التماثيل التي دمرت يبدو أنها تلك الموجودة في المتحف الشهير في المدينة وهي عاصمة نينوى وتقع في شمال العراق واحتلها التنظيم في يونيو حزيران الماضي.
وظهر في التسجيل رجال يطيحون بالتماثيل عن قواعدها لتتحطم على الأرض وأخرى يحطمها المقاتلون بالمطارق لتفتيتها كما يظهر أحدهم وهو يستخدم مثقابا كهربائيا لتفتيت ثور مجنح.
كما يظهر الفيديو غرفة كبيرة تتكدس فيها التماثيل المقطعة على وقع أناشيد إسلامية.
وقالت لمياء الغيلاني وهي عالمة آثار عراقية وزميلة في معهد الآثار في لندن إن عناصر التنظيم المتشدد تسببوا بضرر لا يمكن حصره.
وقالت لرويترز “هذه (الآثار) لا تمثل فقط تراث العراق بل تراث العالم بأسره. إنه تراث عالمي”.
وأضافت “إنها لا تقدر بثمن وفريدة. لا أريد أن أكون عراقية بعد اليوم” وشبهت الضرر الذي ألحقه التنظيم بذلك الذي تسببت به حركة طالبان عندما فجرت تمثالي بوذا العملاقين عام 2001 في باميان بأفغانستان.
وأشارت إلى أن عناصر “داعش” دمروا ثورين مجنحين من مدينتي نينوى ونمرود التاريخيتين، فضلا عن تماثيل من مملكة الحضر (أو عربايا) في شمال العراق التي يعود تاريخها إلى ما قبل ألفي عام.
الثور المجنح رمز القوة والحكمة
الثور المجنح رمز القوة والحكمة
ولم يعلق مدير مكتب العراق في يونسكو أكسيل بليث على الفيديو وقال إنه لم يتم التحقق منه بعد. لكنه وصف الضرر الذي لحق بتراث العراق منذ اجتياح “داعش” للموصل العام الماضي بأنه محاولة “لتدمير هوية شعب بأكمله”.
ويظهر الشريط الذي يحمل شعار “المكتب الاعلامي لولاية نينوى” وتداولته حسابات موالية على مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر من التنظيم ينزعون أغلفة من النايلون عن تماثيل مختلفة الحجم، اضافة الى اخرى تنتصب على قاعدة رخامية ضخمة بارتفاع نحو مترين، وتماثيل نصفية او وجوه اثرية معلقة على الجدران.
ويضم المتحف تماثيل وآثار من الحضارتين الآشورية والهلنستية، يعود تاريخها الى قرون قبل ميلاد المسيح.
وقام العناصر برمي التماثيل ارضا وتحطيمها، واستخدام المطرقات لتكسير بعضها. كما استخدموا آلة ثقب كهربائية لتشويه تمثال آشوري ضخم لثور مجنح، يقع عند بوابة نركال في الموصل.
ويظهر في الشريط عنصر ملتح من التنظيم امام تمثال ضخم، وهو يقول “ايها المسلمون، ان هذه الآثار التي ورائي انما هي اصنام واوثان لاقوام في القرون السابقة كانت تعبد من دون الله عز وجل. انما ما يسمى بالآشوريين والاكاديين وغيرهم كانوا يتخذون آلهة للمطر وآلهة للزرع وآلهة للحرب، يشركون بالله عز وجل ويتقربون اليها بشتى انواع القرابين”.
اضاف “النبي (محمد) ازال الاصنام وطمسها بيده الشريفة عندما فتح مكة”.
وقال خبراء ان الآثار المدمرة تشمل قطعا اصلية، واخرى اعيد بناؤها من قطع مبعثرة، اضافة الى نسخ عن قطع اصلية موجودة في متاحف اخرى.
ويتألف متحف الموصل من ثلاث قاعات، الآشورية والحضرية (نسبة الى مدينة حضر التاريخية في شمال العراق)، والاسلامية. وفي حين بدا ان التماثيل هي من القاعتين الاوليين، لم يتضح مصير آثار القاعة الاسلامية.
وتشمل القطع آثارا من الحقبتين الآشورية والبارثية، وتعود بعضها الى فترة ما قبل ميلاد المسيح. والقطع هي من الفترة الآشورية، ومن مدينة حضر التاريخية التي تقع وسط الصحراء على مسافة مئة كلم جنوب غرب الموصل.
وقال تشارلز جونز، وهو استاذ في جامعة بنسيلفانيا الاميركية عمل سنوات للحفاظ على التراث العراقي، لوكالة فرانس برس “هذه هي /لحظة باميان/ بالنسبة اليهم (عناصر تنظيم داعش)”، في اشارة الى تدمير حركة طالبان الافغانية في العام 2001، تمثالين أثريين ضخمين لبوذا.
واكد شهود ومسؤولون عراقيون واكاديميون، ان التنظيم فجر اليوم مسجد الخضر في وسط الموصل، والذي يعود تاريخه الى القرن الثاني عشر.
تدمير الآثار العراقية في متحف الموصل
تدمير الآثار العراقية في متحف الموصل
وقال استاذ الهندسة المعمارية العراقي احسان فتحي المقيم في الاردن، ان ما جرى “خسارة مؤسفة وارهاب ثقافي هائل”.
واعتبر فتحي ان دافع التنظيم المتطرف لتفجير المسجد هو انه يضم ضريحا، وهو ما يراه التنظيم بمثابة “شرك” في عبادة الله، انطلاقا من تفسيره المتشدد للشريعة الاسلامية.
وسبق للتنظيم ان نشر صورا على حسابات مؤيدة على موقع “تويتر”، تظهر تفجيره مزارات واضرحة اسلامية في مناطق يسيطر عليها في العراق.
وقبل سيطرة التنظيم على الموصل، كانت المدينة مزيجا من الطوائف والقوميات، الا انها ومناطق محيطة بها باتت شبه خالية من سكانها المسيحيين والايزيديين وغيرهم من الاقليات التي نزحت خوفا من الجهاديين.
ويعد الآشوريون احدى اقدم الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط، وكانوا من الاقليات الدينية الاقدم التي اتخذت من شمال العراق موطنا اساسيا لها. وخطف التنظيم المتطرف خلال الايام الماضية، 220 آشوريا على الاقل من مناطق في شمال شرق سوريا، حيث يسيطر ايضا على اراض واسعة.
ويأتي تدمير الآثار بعد نحو اسبوعين من تبني مجلس الامن الدولي قرارا يهدف الى تجفيف مصادر تمويل تنظيم الدولة الاسلامية، يشمل الحد من تهريب الآثار.
وفي الشريط الذي بث اليوم، يقول العنصر في التنظيم “لا نبالي (بتدمير الآثار)، وان كانت بمليارات الدولارات”.
وقال خبير الآثار الدكتور سامويل هاردي على مدونته التي تعنى بشؤون الآثار في مناطق النزاع، ان الجهاديين اقدموا على تدمير ما لا يقدرون على نقله او بيعه.
وكتب على المدونة “ما يظهره هذا الشريط فعلا هو انهم مستعدون لتدمير الاشياء التي لا يمكنهم شحنها او بيعها”.
وقالت مصادر عراقية لوكالة الأنباء الألمانية إن عناصر داعش أقدمت اليوم على ارتكاب جريمة شنيعة تمثلت بهدم معالم نينوى الاثرية وتخريبها في ابشع هجمة تتعرض لها معالم المحافظة الاثارية في التاريخ الحديث منذ سيطرة التنظيم على الموصل والمحافظة بشكل عام في العاشر من حزيران الماضي.
وكان التنظيم المتطرف فجر جزءا من “سور نينوى” التاريخي الذي يعود للحضارة الآشورية بعد أن فخخه منذ أكثر من شهر، كما أحرق آلاف الكتب والمخطوطات، فجر “داعش” المبنى المركزي لمكتبة الموصل في منطقة الفيصيلة وسط المدينة، وحرق محتوياتها من الكتب والوثائق والمخطوطات التي بينها مؤلفات نادرة.
وأشارت تقارير إلى أن مسلحي التنظيم يعتمدون في تمويل هجماتهم الوحشية على بيع التحف الأثرية القديمة إلى جانب بيع النفط.
online pharmacies in france.