تطوي بريطانيا صفحة تاريخية، اليوم الخميس، إذ يتوقع أن يُلحق حزب العمال من يسار الوسط هزيمة فادحة بالمحافظين الذين يتولون السلطة منذ 14 عاما في انتخابات تشريعية شهدت تصاعد اليمين المتشدد.
عندما فاجأ ريشي سوناك حزبه بالدعوة إلى انتخابات تشريعية قبل 6 أسابيع، لم يكن يتوقّع أنه يخاطر بتغيير التوازن السياسي السائد في المملكة المتحدة منذ عقود، والذي هيمن عليه التنافس بين الحزبين الكبيرين: “المحافظون” و”العمال”.
فمن حزب هيمن على السلطة لمدة 14 عاماً، أصبح أقصى طموح حزب المحافظين تشكيل معارضة قوية للحكومة التي يتوقّع أن يشكّلها زعيم “العمال”، كير ستارمر، والذي تتوقع استطلاعات الرأي فوزه بأكبر فارق مقاعد منذ 100 عام في اقتراع الخميس. إلا أن آمال حزب سوناك المتواضعة أصلاً، اصطدمت بصعود مفاجئ لحزب “الإصلاح” الصغير الذي لا يتمتع بأي مقعد في البرلمان المنحل، والذي يقوده عرّاب “بريكست” نايجل فاراج.
وفي حين تُعاتب قاعدة “العمال” التقليدية قيادة الحزب لقرب برنامجه الانتخابي من سياسات تعتبرها “محافظة”، خاصة على الصعيد الاقتصادي، فضلاً عن استياء جزء منها من تصريحات أدلى بها ستارمر حول حرب غزة ودفاعه الشديد عن إسرائيل، إلا أن “العمال” يتقدّم في جميع استطلاعات الرأي بفارق 20 نقطة.
بدت حملة المحافظين الانتخابية متعثّرة قبل انطلاقها، مع إعلان سوناك موعد الانتخابات وقرار حلّ البرلمان تحت مطر غزير وعلى ألحان أغنية انتخابية استخدمها «العمال» في أنجح حملة “عمالية” قادها توني بلير عام 1997.
وبينما بدا الحزب الحاكم متشبّثاً بأمل تجديد ولايته، مستفيداً من شعبية ستارمر المتدنية وشخصيته “المُملّة” وفق آراء غالبية المستطلعين، إلا أن هذا الأمل تبدّد سريعاً، وأصبح يطمح إلى تفادي “خسارة مهينة”، يفقد على أثرها عشرات المقاعد.
وتراجعت شعبية المحافظين إلى مستويات غير مسبوقة، بعد 14 عاماً صعبة في السلطة شهدت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وجائحة “كوفيد – 19″، وأزمة تضخّم وارتفاع كلفة المعيشة. كما شهد الحزب نفسه انقسامات حادّة واستقطاباً غير مسبوق في صفوفه، نتج منه توالي 3 رؤساء وزراء خلال 4 أشهر فقط في عام 2022.
ويثير هذا الانقسام، الذي يُفاقمه توجّه بعض النواب المحافظين إلى أقصى اليمين، خاصة في قضايا الهجرة، تساؤلات حول مستقبل الحزب بعد الرابع من يوليو (تموز). ولا شكّ أن سوناك، الذي تسلّم رئاسة الوزراء بعد استقالة ليز تراس قبل 18 شهراً، سيتعرّض لضغوط من زملائه في الحزب للتنحي إذا فاز حزب العمال بأغلبية ساحقة.
ولا تسود أجواء تفاؤل أو أمل مفرط، لكن البريطانيين على استعداد لمنح فرصة لكير ستارمر زعيم حزب العمال المتقشف وغير المعروف كثيرا البالغ من العمر 61 عاما، وهو محام سابق مدافع عن حقوق الإنسان شغل منصب المدعي العام قبل أن ينتخب نائبا قبل تسع سنوات.
ويفترض أن يصبح رئيسا للوزراء لأن هذا المنصب يتولاه عادة رئيس الحزب السياسي الذي يحصل على غالبية المقاعد في الانتخابات التشريعية.
لا يتمتع كير ستارمر بشخصية كاريزمية ولا يحظى بشعبية كبرى. لزم حذرا كبيرا بل حتى غموضا خلال الحملة الانتخابية، حرصا منه على الحفاظ على تقدم حزبه بفارق 20 نقطة على المحافظين.
أما وعوده، فبقيت محدودة، إذ حذر منذ الآن بأن حزب العمال لا يملك “عصا سحرية”.
لكن هذا الرجل ذو الأصول المتواضعة، وهو ابن صانع أدوات وممرضة، يتحدث عن النزاهة وحس الخدمة في السياسة.
وقال الثلاثاء “أول شيء سأفعله (عند تولي رئاسة الحكومة) سيكون تغيير عقلية السياسة التي يجب أن تكون سياسة في خدمة” الشعب مذكرا بالفضائح العديدة التي طالت في السنوات الماضية سلطة المحافظين.
وأضاف “البلاد أولا، ثم الحزب”.
بين مصادر القلق الرئيسية للناخبين، الاقتصاد وتدهور خدمة الصحة العامة والهجرة.
جعل حزب الإصلاح البريطاني القومي وزعيمه نايجل فاراج الذي يحاول للمرة الثامنة أن ينتخب لعضوية مجلس العموم، من هذا الموضوع الأخير محور معركته وربطه بكل المشاكل التي تعاني منها بريطانيا مثل نقص السكن وصعوبة تلقي العلاج الطبي وعدم توفر فرص عمل لبعض الشباب.
ودخل فاراج السباق الشهر الماضي ما أدى مباشرة إلى تعزيز نوايا التصويت لحزبه الذي بات يحل خلف حزب المحافظين وحتى تقدم عليه في بعض استطلاعات الرأي.
ويحظى هذا النائب الأوروبي السابق البالغ من العمر 60 عاما والمعجب بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والذي كان مؤيدا على الدوام لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بفرصة جيدة ليتم انتخابه في “كلاكتون أون سي”، المدينة الساحلية شرق لندن.
من جهته، بذل ريشي سوناك، رئيس الوزراء منذ عشرين شهرا خلفا لليز تراس التي اضطرت إلى الاستقالة بعد 44 يوما، كل جهوده لإقناع مواطنيه بعدم تقديم شيك على بياض لحزب العمال.
وأعلن عن خفض الضرائب ووعد بأيام أفضل مع التلويح في الوقت نفسه بزيادة هائلة للضرائب في ظل حكومة حزب العمال.
ولكن كل ذلك لم يعط النتائج المرجوة، وقد يواجه المحافظون أسوأ هزيمة في تاريخهم.
ولم تحظ هذه الحملة باهتمام واسع.
ريشي سوناك، المليونير من أصل هندي البالغ من العمر 44 عاما والذي غالبا ما يُعتبر منفصلا عن اهتمامات البريطانيين، واصل مسيرته رغم كل شيء وبدأ، الثلاثاء، ماراثونه الانتخابي سعيا لاستمالة ناخبين مترددين بين حزب الإصلاح البريطاني وحزب المحافظين في دوائر ستكون فيها المنافسة حامية.
وقال “سأحارب من أجل كل صوت، حتى نهاية الحملة الانتخابية”.
ويقدم حزب الاصلاح البريطاني هذه السنة أكثر من 600 مرشح في وقت يجري التنافس على 650 دائرة انتخابية. وحتى وان كان نظام التصويت على الأكثرية وبدورة واحدة يعطي الأولوية للحزبين الكبيرين، فان فاراج لم يخف نواياه. فهو يريد اختراق معاقل المحافظين الذين أنهكتهم الانقسامات الداخلية وجعل تنظيمه حزب المعارضة الرئيسي بهدف الفوز في الانتخابات التشريعية عام 2029.