بينما يواصل فيروس كورونا (كوفيد-19) انتشاره في العالم بلا هواده ويقترب عدد الحالات المصابة به من المليون، تبدو التوقعات المتعلقة بمستقبل الاقتصاد العالمي وسك الجائحة أكثر قتامة.
وأظهر مركز علوم وهندسة النظم التابع لجامعة جونز هوبكنز الأمريكية في أحدث أرقامه أنه حتى الآن إصابة أكثر من 932 ألف حالة بالفيروس فيما تم الإبلاغ عن أكثر من 46 ألف حالة وفاة.
تصاعد سريع
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مؤتمر صحفي يوم الأربعاء “بينما ندخل الشهر الرابع منذ بدء جائحة كوفيد-19، أشعر بقلق بالغ إزاء التصاعد السريع وانتشار العدوى عالميا”.
وقال تيدروس “شهدنا خلال الأسابيع الخمسة الماضية نموا هائلا تقريبا في عدد الحالات الجديدة التي وصلت تقريبا إلى كل دولة وإقليم ومنطقة. وقد زاد عدد الوفيات أكثر من الضعف في الأسبوع الماضي”.
ووفقا للحصيلة العالمية، اقترب عدد حالات الإصابة بالفيروس في أوروبا من 500 ألف وتجاوز عدد الوفيات 30 ألفا. وتتحمل إيطاليا وإسبانيا العبء الأكبر، بما يمثل ثلاثة من كل أربعة وفيات في القارة.
وأصبحت إسبانيا ثالث دولة تسجل أكثر من 100 إصابة مؤكدة يوم الأربعاء بعد الولايات المتحدة وإيطاليا.
وارتفع عدد الحالات الجديدة في اسبانيا بشكل حاد بمقدار 7719 في 24 ساعة، ليصل إجمالي الإصابات إلى أكثر من 100 ألف لأول مرة وتحديدا 102136، وسجلت أيضا رقما قياسيا بـ864 حالة وفاة في 24 ساعة، مقارنة بـ849 حالة يوم الثلاثاء، ليرتفع عدد الوفيات في البلاد إلى 9053.
وفي إيطاليا، لقي 727 شخصا آخر حتفهم بسبب كوفيد-19 في الساعات الأربع والعشرين الماضية، ليصل عدد الوفيات إلى 13155، لكنه كان أقل عدد يومي للوفيات منذ 26 مارس.
وعبر الأطلسي، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة تتخطى 200 ألف إصابة بكوفيد-19 يوم الأربعاء، وتم الإبلاغ عن ما مجموعه 203608 حالات في الولايات المتحدة مع 4476 حالة وفاة حتى بعد ظهر الأربعاء، وفقا لجامعة جونز هوبكنز.
انكماش اقتصادي
ويشكل الوباء تهديدا خطيرا للنمو العالمي، حيث حذرت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة من أن الاقتصاد العالمي قد ينكمش بنسبة تصل الى واحد في المائة هذا العام بسبب جائحة كوفيد-19، بل أكثر من ذلك إذا تم تمديد القيود المفروضة على الأنشطة الاقتصادية دون استجابات مالية كافية.
وقالت الإدارة إن الملايين من العمال معرضون لخطر فقدان وظائفهم فيما تغلق حوالي 100 دولة حدودها الوطنية. ويمكن أن يترجم ذلك إلى انكماش اقتصادي عالمي بنسبة 0.9 في المائة بحلول نهاية عام 2020، أو حتى أعلى من ذلك إذا ما فشلت الحكومات في دعم الدخل وتعزيز رفع إنفاق المستهلكين.
وأضافت في تقرير لها إن القلق الاقتصادي وعدم المساواة سيزدادان مع تفاقم الوباء.
ووفقا للتوقعات، فإن عمليات الإغلاق في أوروبا وأمريكا الشمالية ستضرب قطاع الخدمات بشدة، خاصة الصناعات التي تنطوي على تفاعلات جسدية مثل تجارة التجزئة والترفيه والضيافة وخدمات الترفيه والنقل. وتمثل هذه الصناعات مجتمعة أكثر من ربع جميع الوظائف في هذه الاقتصادات.
ومع خسارة الشركات لإيراداتها، من المرجح أن تزيد البطالة بشكل حاد. مما يحوّل صدمة “العرض” إلى “صدمة طلب” أكبر على الاقتصاد.
وعلى هذه الخلفية، دعت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة إلى حزم حوافز مالية جيدة التصميم تحدد أولويات الإنفاق الصحي وتدعم الأسر الأكثر تضرراً من الجائحة.
قال ليو تشين مين، وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية: “هناك حاجة إلى إجراءات سياسية عاجلة وجريئة، ليس فقط لاحتواء الجائحة وإنقاذ الأرواح، ولكن أيضا لحماية الفئات الأكثر ضعفا في مجتمعاتنا من الدمار الاقتصادي والحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي”.
كما حذرت الإدارة أيضا من أن الآثار السلبية للقيود الاقتصادية طويلة الأمد في الاقتصادات المتقدمة ستنتقل قريبا إلى البلدان النامية عبر قنوات التجارة والاستثمار.
وتواجه البلدان النامية، وخاصة تلك التي تعتمد على السياحة وصادرات السلع، مخاطر اقتصادية متزايدة. قد ينكمش الإنتاج الصناعي العالمي بشكل كبير، ومن المرجح أن يضر هبوط عدد المسافرين الهائل بقطاع السياحة في الدول الجزرية الصغيرة النامية، التي توظف الملايين من العمال ذوي المهارات المنخفضة.
في الوقت نفسه، فإن الانخفاض في الإيرادات المتعلقة بالسلع الأساسية وعكس تدفقات رأس المال يزيدان من احتمال حدوث ضائقة ديون لكثير من الدول. قد تضطر الحكومات إلى تقليص الإنفاق العام في الوقت الذي تحتاج فيه إلى زيادة الإنفاق لاحتواء الجائحة ودعم الاستهلاك والاستثمار.
وكان البنك الدولي قد أعلن يوم الاثنين أنه يتوقع أن يتباطأ نمو الاقتصادات النامية في شرق آسيا ومنطقة المحيط الهادئ إلى 2.1 في المائة في السيناريو الأساسي وسط جائحة كوفيد-19، من ما يقدر بـ 5.8 في المائة في عام 2019.
وعربيا، توقعت نتائج دراسة للجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والإقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) يوم الأربعاء ارتفاع عدد الفقراء في المنطقة العربية إلى 101.4 مليون شخص في المنطقة بواقع 8.3 مليون شخص إضافي بسبب تداعيات فيروس كورونا الجديد “كوفيد-19”. وتوقعت ارتفاع عدد الذين يعانون من نقص في التغذية إلى 52 مليونا بزيادة حوالي مليوني شخص.
الأمم المتحدة تكافح لمساعدة الدول
ووسط هذه التوقعات الاقتصادية، تواصل وكالات الأمم المتحدة مساعدة البلدان على احتواء الفيروس والحد من تأثيره الاجتماعي والاقتصادي.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إنه قدم 78.8 مليون دولار أمريكي استجابة للمرض. ويشمل المبلغ 75 مليون دولار من الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة والباقي من الأموال القطرية.
وقد تم دعم البرامج في 15 دولة من خلال هذه الصناديق، ويتم تحديد بلدان إضافية في إطار تخصيص الصندوق المركزي العالمي للطوارئ البالغ 60 مليون دولار وهو واحد من أكبر البرامج على الإطلاق. ويتم استخدامه لبدء نداء خطة الاستجابة الإنسانية العالمية كوفيد-19 التي تبلغ قيمتها ملياري دولار.
وحتى الآن، وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تم توفير ما يقرب من 374 مليون دولار من أموال المانحين للخطة العالمية.
ودعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى سلسلة من الإجراءات للمساعدة في الاستجابة للفيروس.
وحذرت الوكالة من أنه على الرغم من أن عدد الحالات المبلغ عنها والمؤكدة للعدوى بين اللاجئين لا يزال منخفضًا، إلا أن أكثر من 80 بالمائة من اللاجئين في العالم وجميع النازحين تقريبًا يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وتعاني العديد من البلدان من ضعف نظم الصحة والمياه والصرف الصحي وتحتاج إلى دعم عاجل.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنها ترسل مجموعة من المعدات إلى أكثر من 40 دولة لمساعدتها على استخدام التكنولوجيا المشتقة من الطاقة النووية للكشف السريع عن كوفيد-19.
وقالت الوكالة إن العشرات من المختبرات في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي ستتلقى معدات تشخيص لتسريع الاختبار الوطني، وهو أمر حاسم في احتواء تفشي المرض.