قبل شهور قليلة فقط، كان الخبراء يتنبأون بأن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية سوف تكون ضحية لشياطينها، حيث كانت حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد تتزايد على نحو سريع، وكانت الحكومة تفتقر للمصداقية والقدرة على مواجهة فيروس كورونا بفعالية.
ويقول جون الترمان، نائب رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية ومدير برنامج الشرق الأوسط، إن المراقبين لإيران عن قرب رأوا أن هناك أزمة بدأت في الظهور من شأنها أن تفرض إعادة التفاوض بشأن العلاقة بين المواطنين والدولة. ولم يكن غريبا الحكم بأن الحرب الخفية الدائرة منذ 40 عاما بين الولايات المتحدة وإيران على وشك أن تدخل مرحلة جديدة للغاية مع ترنح إيران نتيجة ضغط جائحة كورونا.
ولم تسقط إيران رغم ارتجافها، وربما يعد ذلك درسا عن صعوبة التنبؤ بالسياسات، خاصة في الدول السلطوية. فالسياسة في إيران لها مسارها الخاص، وتوقيتاتها الخاصة، وربما ما زالت الضغوط في مراحلها الأولى ومن الصعب رؤيتها. ولكن في الوقت نفسه من الصعب إنكار أن جائحة كورونا هزت موقف الولايات المتحدة، العدو الدائم لإيران.
فقد خلق الاضطراب السياسي الذي أطلقته الجائحة، والضرر الذي ألحقته بمصداقية الولايات المتحدة، والطريقة التي صرفت بها أنظار الأمريكيين عن بحث كيف سيكون رأيهم بشأن الدور العالمي لبلادهم، فرصا لإيران، والصين، وغيرهما من الدول التي تسعى إلى تغيير الوضع العالمي القائم.
ويضيف الترمان في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه رغم أن مواجهة إيران لفيروس كورونا كانت كارثية، جاءت مواجهة الولايات المتحدة للفيروس أكثر سوءا. ومن المحتمل أن يكون هناك بعض النقص فيما تعلنه إيران من حصيلة لحالات الإصابة والوفاة نتيجة كورونا، ورغم ذلك تبدو الولايات المتحدة أكثر سوءا. ووفقا لجامعة جونز هوبكنز الأمريكية، سجلت إيران 17 حالة وفاة لكل 100 ألف من الإيرانيين، بينما سجلت الولايات المتحدة 43 حالة. وسجلت إيران 337 حالة إصابة لكل 100 ألف شخص، مقابل 1160 إصابة للولايات المتحدة. ويتزايد التفاوت في الأرقام مع انخفاض المنحنى بالنسبة لإيران وارتفاعه بالنسبة للولايات المتحدة.
ويبدو أن كثيرا من الأمريكيين يشعرون بعدم الارتياح، لكنهم لا يهابون الحصيلة المتزايدة لحالات الإصابة والوفاة. ومع زيادة الضغط لإنهاء الإغلاق رغم زيادة الحالات، يتعين توقع أن يكون لجائحة كورونا تأثير متزايد على الاقتصاد الأمريكي، وتأثير غير مباشر على التمويل الحكومي على المستوى الاتحادي، ومستوى الولايات، والمستوى المحلي. وسوف يتم تحمل التكاليف الطبية المتزايدة على نطاق واسع، وسوف تستمر المساعدة الاقتصادية للعاطلين والعاملين المؤقتين في الضغط على الموازنة العامة، وسيكون لذلك تأثير على الانفاق على كل شيء بما في ذلك الجيش.
ويقول الترمان إن إضفاء الطابع السياسي على جائحة كورونا وسط حملة رئاسية يزيد من استقطاب الأمريكيين، ويفاقم التوترات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، والحكومات المحلية، ومن المحتمل أن تزداد هذه التوترات مع انخفاض عائدات الضرائب على مستوى الولايات والحكومات المحلية، وانخفاض الموارد المتاحة للخدمات العامة
وعموما، فإن الثقة في الحكومة الاتحادية شهدت انخفاضا منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر عام 2001، وحتى قبل تفشي فيروس كورونا. ويتوقع معظم الاقتصاديين وكبار رجال الأعمال أن يعاني الاقتصاد الأمريكي من عدم الاستقرار لبعض الوقت. ومن المحتمل توقع كثير من تبادل الاتهامات على مستوى الولايات المتحدة في المستقبل.
وعلى المستوى الدولي، سوف تتعرض الولايات المتحدة لانتقادات، فقد تعودت الحكومات في أنحاء العالم اللجوء للولايات المتحدة للحصول على الموارد التي تحتاجها، وعلى المهارات الفنية، وعلى القدرة التنظيمية .
وفشل الولايات المتحدة في حشد حكومات الولايات والحكومات المحلية حول مواقف منسقة، وارتفاع خصيلة وفيات كورونا، يمثل دلالة لكثيرين على أن فعالية حكومة الولايات المتحدة بلغت نقطة العدوى وأنها تتجه إلى الانحدار.
وفي حين يشجع ذلك أعداء الولايات المتحدة ، فإنه كذلك أكثر إثارة لقلق شركاء الولايات المتحدة. فإذا أصبحت الولايات المتحدة طرفا متغيرا وليس ثابتا، فإنهم يواجهون عالما أكثر فوضى وخطورة. وسوف يحتاجون للتحوط في مواجهة احتمال فشل الولايات المتحدة في المستقبل، وسوف يسعى الكثيرون إلى مزيد من التوافق مع أعداء الولايات المتحدة.
ورغم أن هذه الدول الأعداء تعاني أيضا من كثير من المشاكل في مواجهتها لفيروس كورونا، سوف يفتح ضعف الولايات المتحدة الطريق أمامها.
واختتم الترمان تقريره بالقول إن تحقيق الحكومة الأمريكية مستوى أقل من إيران في مواجهة جائحة كورونا، سيضعف هيبة الولايات المتحدة، ولكنه سيدفع الشركاء أيضا إلى التفكير في الإمكانية الواقعية لما قد يبدو عليه العالم بدون دور كبير للغاية للولايات المتحدة.
وسوف يريد معظم هؤلاء الشركاء بذل ما بوسعهم لإعادة هذا الدور. فهم لا يريدون أن يواجهوا العالم بمفردهم. وهذه فرصة سانحة أمام من سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ويتعين عليه أن ينتهزها.