تَسلّم الرئيس الجديد للمؤسّسة الوطنيّة للنفط فرحات بن قدارة مهمّاته خلفًا للمخضرم مصطفى صنع الله، في خطوة مفاجئة دفعت الولايات المتحدة إلى التحذير من الانزلاق نحو أيّ “مواجهة مسلّحة” بشأن هذا القطاع الحيوي.
وغالبًا ما كانت احتياطات النفط الهائلة لهذا البلد الواقع في شمال إفريقيا في قلب الصراعات السياسيّة، لكنّ مؤسّسة النفط حافظت على حيادها إلى حدّ كبير رغم الانقسام المستمرّ في البلاد منذ إطاحة نظام معمّر القذافي عام 2011.
وأصدرت حكومة الوحدة في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة الأربعاء مرسوما عيّنت بموجبه المصرفي البارز فرحات بن قدارة رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط خلفاً لمصطفى صنع الله.
وصباح الخميس، تسلّم بن قدارة مهامه في مقرّ المؤسّسة في طرابلس، حيث عقد مؤتمرا صحافيا.
وقال للصحافيين “من المهمّ بشكل حيوي في ظلّ الظروف الحالية أن تستعيد ليبيا قدرتها التصديريّة للغاز والنفط بأسرع ما يمكن”.
وأضاف أنّ “قطاع النفط سقط فريسة للصراعات السياسية، لكنّنا سنعمل على منع التدخّل السياسي في هذا القطاع”.
تأتي خطوة الدبيبة ضد صنع الله بعد أشهر من التوتر المتصاعد في ليبيا عقب تعيين برلمان طبرق في شرق البلاد حكومة منافسة برئاسة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بدعم من الرجل القوي المشير خليفة حفتر.
ورفض الدبيبة التنازل عن السلطة قبل الانتخابات، فيما لم يتمكن باشاغا حتى الآن من دخول طرابلس، ما أثار مخاوف من تجدد النزاع بعد عامين فقط على إبرام هدنة تاريخية أنهت محاولات حفتر الاستيلاء على العاصمة بالقوة.
وأعلنت السفارة الأميركية في طرابلس أنها تتابع التطورات بـ”قلق بالغ”، قائلة إن مؤسسة النفط “حيوية” من أجل “استقرار” ليبيا و”ازدهارها”.
ومنذ نيسان/إبريل، حاصرت جماعات موالية لحفتر منشآت نفطية رئيسية في الشرق للضغط على الدبيبة.
نتيجة لذلك، تراجعت صادرات ليبيا من النفط الخام والمكثفات من مليون برميل يوميا في آذار/مارس إلى نحو 400 ألف حتى الآن في تموز/يوليو، وفقا لشركة “كابلر” لتقصي المعلومات.
وساهم الحصار أيضا في انقطاع مزمن للتيار الكهربائي ما أثار احتجاجات غاضبة بداية الشهر.
وجاء الحصار أيضا وسط أزمة إمدادات في أسواق النفط العالمية فاقمتها الحرب في أوكرانيا، ما دفع الدول المستهلكة إلى الضغط على دول مصدّرة أخرى لزيادة الإنتاج.
ويُتوقّع أن يضغط الرئيس الأميركي جو بايدن على السعودية لزيادة إنتاجها خلال زيارته المملكة نهاية الأسبوع.
تملك ليبيا أكبر احتياط مؤكّد من النفط في إفريقيا، مع سهولة الوصول إلى الأسواق الأوروبية.
وقال السفير الأميركي ريتشارد نورلاند الذي كان يعمل على آلية لإدارة إيرادات مبيعات النفط المتنازع عليها بشدّة، إنّ المؤسّسة “حافظت على استقلالها السياسي وكفاءتها الفنية في عهد صنع الله”.
وأضاف نورلاند “استبدال مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الذي أُعلِن عنه يمكن الطعن فيه في المحكمة، لكن يجب أن لا يصبح قضيّة لمواجهة مسلحة”.
ومع ذلك، أثار استبدال الدبيبة لصنع الله ببن قدارة الذي كان محافظا للبنك المركزي خلال عهد القذافي ويُشاع أنّ له صلات وثيقة بحفتر ودولة الإمارات، تكهنات باحتمال إبرام صفقة من شأنها السماح للدبيبة بالبقاء في السلطة.
وقال عماد الدين بادي من مركز “أتلانتيك كاونسل” إنّ تعيين بن قدارة كان “نتاج تقارب مؤقّت بين الدبيبة وحفتر، لكنّه قد يشكّل الأساس لاتّفاق أوسع”.
وقال أيدين كاليك المحلل في مركز “ميدل إيست إيكونوميك سيرفي” إنه يتوقع رفع الحصار النفطي “قريبا جدا”.
لكنه حذر من أن مجلس الإدارة الجديد موضع نزاع، بما في ذلك من قبل صنع الله الذي توسط منذ فترة طويلة للحفاظ على تدفق الخام الليبي ووضع نفسه محاورًا مع قوى أجنبيّة وشركات نفطيّة.
وأضاف كاليك لوكالة فرانس برس ان “الغموض بشأن من هو المسؤول في المؤسسة الوطنية للنفط يثير تساؤلات: من يستطيع تصدير النفط بشكل شرعي؟ هل ستعترف شركات النفط الدولية بمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الجديد؟ ماذا قد يعني ذلك بالنسبة لعقودها؟”.
وسارع صنع الله إلى إعلان رفضه قرار إقالته، معتبرا أنّه صادر عن حكومة “منتهية الصلاحية”.
وقال صنع الله في بيان إنّ “قرار تشكيل مجلس إدارة جديد باطل قانوناً لأنّه صادر عن حكومة منتهية الصلاحية، كما أنّ المؤسسة محميّة بموجب القانون الدولي الذي يدعم وحدتها ويطلب عدم إقحامها في السياسة”.
وشدد بن قدارة الخميس أن تعيينه في هذا المنصب جاء “لأنني رجل غير حزبي ولست مرتبطا بأي طرف، ولأنني أستطيع الانتقال إلى أي مكان في ليبيا”.
وأشار أنس القماطي مؤسس ومدير “معهد صادق” الليبي للسياسة العامة الى أن “الحصار كان عمل مجموعة فاغنر” الأمنية المرتبطة بروسيا.
وقال “رفع الحصار يتطلب اتفاق ثلاثة لاعبين أساسيين: حفتر الذي تحميه فاغنر، والإمارات التي تمول، والكرملين”.
وأضاف القماطي “في ظلّ الظروف الحاليّة، لماذا قد يمنح الكرملين الضوء الأخضر لرفع حصار عن مرافق نفطيّة يضرّ دول حلف الأطلسي الجنوبية؟”.