رحيل مارجوري غرين يفضح الانقسامات العميقة داخل الحزب الجمهوري الأميركي

22 نوفمبر 2025آخر تحديث :
رحيل مارجوري غرين يفضح الانقسامات العميقة داخل الحزب الجمهوري الأميركي

في خطوة مفاجئة هزّت المشهد السياسي الأميركي مساء الجمعة، أعلنت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين استقالتها من الكونغرس اعتبارًا من 5 كانون الثاني 2026، أي قبل عام كامل من انتهاء ولايتها. القرار، الذي جاء بعد سنوات من ولائها الشديد للرئيس دونالد ترمب، كشف عن تصدّع العلاقة بين الطرفين وبرزت خلافات عميقة حول ملفات حساسة، أبرزها أرشيف جيفري إبستين، السياسة الخارجية، والرعاية الصحية.

ولم تكن هذه الاستقالة مجرد قرار شخصي، بل حملت رسالة سياسية واضحة حول استياء غرين من الصراعات الداخلية داخل الحزب الجمهوري ومن الولاء الأعمى الذي يفرضه الجهاز الحزبي على أعضائه. في مقطع فيديو مطوّل نشرته على منصة X، عبّرت غرين عن شعورها بالغربة داخل العاصمة الأميركية، معتبرة أن واشنطن أصبحت مسرحًا للمناورات السياسية والولاءات الزائفة، وأن الولاء الأعمى للأحزاب والحملات الانتخابية أضرّ بالسياسات العامة وخلق بيئة سياسية سامة دفعتها إلى الانسحاب.

وكانت الخلافات مع ترمب أبرزها ملف أرشيف مكتب التحقيقات الفيدرالي المرتبط بجيفري إبستين، إذ طالبت غرين بالكشف عن الملفات، وهو موقف لم يحظَ بدعم الرئيس وأثار توترًا بينهما. كذلك أعربت عن خيبة أملها من سياسات الحزب في مجال الرعاية الصحية، معتبرة أن الجمهوريين يفتقرون إلى خطط واضحة لتلبية احتياجات المواطنين. وفي السياسة الخارجية، انتقدت غرين بعض المواقف الرسمية التي تفتقد إلى البعد الإنساني والمسؤولية الأخلاقية، خاصة في النزاعات الدولية، لا سيما في الشرق الأوسط.

وأعربت غرين عن استنكارها لما وصفته بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، معتبرة أن القصف المستمر على المدنيين وقتل الأطفال يمثل جريمة ضد الإنسانية. وأشارت إلى أن الدعم الأعمى لإسرائيل من قبل الحزب الأميركي، تحت تأثير لوبي “إيباك”، يأتي على حساب القيم الإنسانية ويغذي الصراعات الإقليمية، محذرة من أن تجاهل هذه القضايا يعكس ضعفًا في الضمير السياسي الأميركي ويزيد معاناة المدنيين الأبرياء.

وعلى الصعيد الشخصي، ركّزت غرين على كرامتها وعائلتها، مؤكدة أنها ترفض أن تصبح جزءًا من “معركة حزبية قاسية” أو أن تتحول إلى “زوجة معنّفة” في دائرة السياسة الداخلية. كما أشارت إلى أنها لا ترغب بخوض معركة أولية مؤلمة في الانتخابات التمهيدية قد يقودها ترمب إذا قرر دعم منافس ضدها، معتبرة أن الحفاظ على الكرامة والشرف أهم من الاستمرار في منصب سياسي يفرض الولاء الأعمى ويقيد حرية التعبير.

تحمل استقالة غرين أيضًا بعدًا استراتيجيًا، إذ تعكس تصدعًا داخل جناح “الماجا” في الحزب الجمهوري. فغرين، التي كانت من أكثر الشخصيات ولاءً لترمب، تحولت إلى منتقدة صريحة له، ما يوضح أن نفوذ ترمب ليس مطلقًا وأن هناك مساحة للاختلافات والانتقادات حتى داخل التيار المؤيد له. وهذا الانسحاب يفتح المجال أمام جدل داخلي ويطرح تساؤلات حول توجهات الحزب المستقبلية، خصوصًا فيما يتعلق بالسياسات الخارجية والقضايا الإنسانية، ويعيد طرح الانقسام بين التيار الشعبوي وقيادة الحزب التقليدية.

من الناحية الانتخابية، سيُفتَتح مقعد غرين في الدائرة الـ 14 بولاية جورجيا للانتخابات التكميلية (على الفور)، ما يمنح فرصة أمام مرشحين جمهوريين آخرين للتنافس في منطقة قوية لليمين المحافظ. هذه الانتخابات قد تشكّل اختبارًا لوحدة الحزب بين تيار “الماجا” والقيادة التقليدية، وربما تسهم في إعادة ترتيب الأولويات السياسية داخله قبل الانتخابات النصفية لعام 2026، وكشف مدى قدرة النواب الشباب على فرض أجنداتهم على القيادة التقليدية.

يمكن القول إن قرار غرين ليس مجرد انسحاب شخصي، بل رسالة احتجاج واضحة على أسلوب الإدارة الحزبية الداخلية والسياسات التي تتجاهل القيم الإنسانية داخليًا ودوليًا. رحيلها يسلّط الضوء على التحديات التي تواجه الحزب الجمهوري في الحفاظ على توازن الولاء الشخصي للمؤثرين والمبادئ السياسية، ويعيد طرح التساؤل حول مستقبل تيار “الماجا” وقدرته على التأثير في السياسات الأميركية، محليًا ودوليًا. كما يشير إلى أن الولاء الأعمى لم يعد مضمونًا، وأن الاعتبارات الأخلاقية والسياسية أصبحت أكثر حضورًا في تشكيل المواقف.