صندوق النقد الدولي: الانفصال بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي قد يشكل تهديداً للتعافي

26 يونيو 2020آخر تحديث :
صندوق النقد الدولي: الانفصال بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي قد يشكل تهديداً للتعافي

قال صندوق النقد الدولي يوم الخميس، إن الانفصال المستمر بين الأسواق المالية من ناحية وتطور الاقتصاد الحقيقي من ناحية أخرى هو “نقطة ضعف” ويمكن أن يشكل تهديدا للتعافي إذا ما ضعف إقبال المستثمرين على المخاطرة.

وقال صندوق النقد الدولي في تحديثه لتقرير الاستقرار المالي العالمي لشهر إبريل إن البنوك المركزية الكبرى على مستوى العالم ساهمت في “التيسير الكبير” للأوضاع المالية من خلال تخفيضات أسعار الفائدة والتوسع في الميزانية العمومية بأكثر من 6 تريليونات دولار أمريكي، بما في ذلك مشتريات الأصول، وخطوط تبادل العملات، وتسهيلات الائتمان والسيولة.

وكتب توبياس أدريان، المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي، وفابيو ناتالوتشي، نائب مدير الإدارة، في مدونة إن “هذه الإجراءات السريعة وغير المسبوقة من جانب البنوك المركزية أدت إلى استعادة الثقة وتشجيع المستثمرين على المخاطرة”.

وقال المسؤولان:”بعد الهبوط الحاد في فبراير ومارس، شهدت أسواق الأسهم موجة من الصعود اقتربت بها في بعض الحالات إلى مستويات شهر يناير، بينما ضاقت فروق العائد إلى حد كبير، حتى بالنسبة للاستثمارات الأكثر خطرا”، مشيرين إلى أن ذلك قد أحدث “انفصالا واضحا” بين الأسواق المالية وآفاق الاقتصاد.

وأضاف أدريان وناتالوتشي “يبدو أن المستثمرين يراهنون على أن الدعم القوي والدائم من البنوك المركزية سيساند تحقيق التعافي السريع بالرغم من إشارة البيانات الاقتصادية إلى هبوط أعمق من المتوقع”.

وقالا إن الانفصال بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي اتضح جليا من خلال التباعد الذي حدث مؤخرا بين الصعود الكبير لأسواق الأسهم الأمريكية والهبوط الملحوظ لثقة المستهلكين، “مما أثار التساؤلات حول مدى إمكانية استدامة موجة الصعود الحالية في غياب الدفعة المقدمة من البنوك المركزية”.

وأشار مسؤولا صندوق النقد الدولي إلى أن هذا التباعد يثير شبح تصحيح آخر في أسعار الأصول الخطرة إذا ما تغير موقف المستثمرين، مما يشكل تهديدا للتعافي.

ويوجد( بحسب ما أفادوا) عددا من التطورات يمكن أن تسبب هبوطا في أسعار الأصول الخطرة بما في ذلك ركود أعمق وأطول مما يتوقع المستثمرون حاليا. ويمكن أن تظهر موجة ثانية من الإصابات بفيروس كورونا الجديد، فتُفرض إجراءات الاحتواء من جديد. ويمكن أن تؤدي التوترات الجغرافية-السياسية أو اتساع نطاق القلاقل الاجتماعية كرد فعل لتصاعد عدم المساواة على مستوى العالم إلى إحداث تحول في المزاج السائد بين المستثمرين.

وأضافا أن توقعات السوق مفرطة في التفاؤل بشأن مدى الدعم الذي تقدمه البنوك المركزية، مما يقود المستثمرين إلى إعادة تقييم إقبالهم على المخاطرة وتسعيرهم للمخاطر.

وحذر أدريان وناتالوتشي: “من الممكن أن تؤدي إعادة التسعير تلك، وخاصة إذا ضخمتها مواطن الضعف المالية، إلى تشديد حاد للأوضاع المالية، ومن ثم تقييد تدفق الائتمان إلى الاقتصاد. وقد يتسبب الضغط المالي في تفاقم الركود الاقتصادي الذي وصل إلى مستوى غير مسبوق بالفعل، مما يزيد من صعوبة التعافي”.

وجاء تقرير مستجدات الاستقرار المالي العالمي بعد يوم واحد من خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي وسط تداعيات كوفيد-19 المتزايدة، متوقعا انكماشا بنسبة 4.9 بالمائة في عام 2020 بانخفاض قدره 1.9 نقطة مئوية عما تنبأ به في إبريل 2020، مما يشير إلى توقعات اقتصادية أكثر قتامة مع استمرار انتشار المرض في جميع أنحاء العالم.

وحذرت كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي غيتا جوبيناث من أن هذه الأزمة ستولد كذلك تحديات على المدى المتوسط. ومن المتوقع أن يصل الدين العام خلال 2020 لأعلى مستوى على الإطلاق نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة والاقتصادات النامية.

وسلط تقرير مستجدات الاستقرار المالي العالمي الضوء أيضا على قضية ارتفاع مستويات الديون، قائلا إن أعباء ديون الشركات والأسر “من الممكن أن تخرج عن نطاق السيطرة” في حالة الانكماش الاقتصادي الحاد.

وقد أدى تدهور أساسيات الاقتصاد بالفعل إلى تخفيض المراتب الائتمانية للشركات، وهناك مخاطر تهدد باتساع نطاق التأثير على ملاءة قطاعَي الشركات والأسر، وفقا للتقرير.

وأشار التقرير أيضا إلى نقاط ضعف مالية أخرى يمكن أن يبلورها المرض: من الممكن أيضا أن تتأثر الشركات المالية غير المصرفية، فنظرا لإقبالها على مواصلة تقديم الائتمان أثناء الهبوط الاقتصادي العميق لم تتعرض للاختبار بعد، فمن الممكن أن ينتهي بها الحال إلى تضخيم الضغوط القائمة. كما يمكن أن تواجه بعض الأسواق الصاعدة والواعدة احتياجات أكثر إلحاحا لإعادة تمويل الديون.

وقال أدريان وناتالوتشي في المدونة: “ينبغي أن تحقق البلدان التوازن الصحيح بين الأولويات المتنافسة في إجراءاتها لمواجهة الجائحة، على أن تنتبه للاختيارات الممكنة وانعكاسات استمرار دعم الاقتصاد مع الحفاظ على الاستقرار المالي”.

وأكدا أن الاستخدام غير المسبوق للأدوات غير التقليدية قد خفف الضربة التي وجهتها الجائحة للاقتصاد العالمي وقلل من الخطر الفوري على النظام المالي العالمي، غير أن صناع السياسات ينبغي لهم الانتباه لما يمكن أن يحدث من عواقب غير مقصودة، مثل استمرار تراكم مواطن الضعف المالي في ظل تيسير الأوضاع المالية.

“فمن الممكن أن يؤدي توقع استمرار الدعم من البنوك المركزية إلى تحويل تقييمات الأصول المفرطة أصلا إلى مواطن ضعف– ولا سيما في سياق استنفاد النظم المالية وقطاعات الشركات لما لديها من هوامش أمان أثناء الجائحة”، وفقا لقولهما.

وأتم المسؤولان بصندوق النقد “بمجرد أن يصبح التعافي جاريا، ينبغي أن يعجل صناع السياسات بمعالجة مواطن الهشاشة التي من شأنها غرس بذور المشكلات المستقبلية وتعريض النمو للخطر فيما بعد”.