واشنطن تنقل إلى بغداد إنذاراً إسرائيلياً وغطاء أميركي مفتوح لاعتداءات محتملة على العراق

3 ديسمبر 2025آخر تحديث :
واشنطن تنقل إلى بغداد إنذاراً إسرائيلياً وغطاء أميركي مفتوح لاعتداءات محتملة على العراق

في تطوّر يعكس مجدداً اختلال موازين القوة في المنطقة وتغوّل النفوذ الإسرائيلي على حساب سيادة الدول العربية، كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية في بغداد أن مبعوث الولايات المتحدة الخاص، توم باراك، نقل إلى المسؤولين العراقيين تحذيراً صريحاً بأنّ إسرائيل قد تشن ضربات داخل العراق ضد ميليشيات تتهمها بالتعاطف أو التنسيق مع حزب الله. غير أن المفارقة الكبرى ليست في التهديد بحد ذاته، بل في الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع هذا السلوك، إذ تحوّلته من طرف “يُدان” عادة إلى طرف تُقدَّم له التسهيلات السياسية والاستخباراتية دون مساءلة.

دبلوماسية الإنذار: تهديدات إسرائيلية بلسان أميركي

وبحسب المصادر، جاء باراك إلى بغداد محمّلاً بلغة أكثر خشونة مما اعتادت عليه العواصم العربية من المسؤولين الأميركيين. فقد نقل رسالة إسرائيلية تقول إنّ العراق بات في نظر تل أبيب “ساحة في صلب معادلة المواجهة” وإنّ أي نشاط لفصائل ترى فيها إسرائيل امتداداً لإيران أو لحزب الله سيُقابَل بضربات دقيقة داخل الأراضي العراقية.

واللافت أنّ واشنطن، بدلاً من رفض السلوك الإسرائيلي أو التحذير من تداعياته الخطيرة على الاستقرار الإقليمي، اختارت أن تكون ناقلاً ومسهّلاً له، في خطوة تثير تساؤلات حول موقع العراق في الحسابات الأميركية ومدى احترام الولايات المتحدة لسيادة الحلفاء الذين تدّعي دعمهم.

وأكد مصدر دبلوماسي عراقي أن نبرة باراك كانت “حادة لدرجة لافتة”، وأن الرسالة بدت أقرب إلى إملاء سياسي منها إلى تبادل معلومات. ورغم نفي بغداد وجود أي نشاط للفصائل يشكل تهديداً خارج حدود البلاد، إلا أن التحذير الأميركي وضع الحكومة أمام معادلة جديدة: إما الامتثال لضغوط واشنطن وتل أبيب، أو التعرض لتصعيد عسكري يمسّ السيادة العراقية بشكل مباشر.

سيادة مهدّدة… وواشنطن في دور الغطاء السياسي

يعرف العراقيون جيداً أن إسرائيل سبق أن نفذت غارات داخل العراق، معظمها لم تعترف به رسمياً، فيما اكتفت الولايات المتحدة بالصمت أو التبرير غير المباشر. ومع التحذير الأخير، تبدو واشنطن كمن يعيد إنتاج المعادلة نفسها: دعم غير مشروط لإسرائيل، ولو على حساب استقرار العراق وسيادته وأمنه الداخلي.

الحكومة العراقية، المحاصرة بين واشنطن وطهران، تدرك أن أي ضربة إسرائيلية—حتى لو كانت محدودة—ستفاقم التوتر الداخلي، وستعطي الفصائل المسلحة ذريعة للتصعيد، وستحرج بغداد أمام الرأي العام الذي يرى في الاعتداءات الإسرائيلية إهانة مباشرة للسيادة الوطنية. ومع ذلك، لا تبدي واشنطن أي حساسية تجاه هذا الواقع، بل تواصل دور “الوسيط المنحاز” الذي يمنح إسرائيل الضوء الأخضر في كل الاتجاهات.

حسابات إسرائيل: العراق ساحة مفتوحة بلا تكلفة سياسية

من زاوية إسرائيلية، تبدو الحسابات واضحة: أي فصيل عراقي قد يقدم دعماً لوجستياً أو استخبارياً لحزب الله هو تهديد يجب ضربه مسبقاً. لكن ما يمنح تل أبيب الجرأة على توسيع عملياتها خارج حدودها هو قناعة راسخة بأنّ واشنطن ستغطيها مهما فعلت، وأنّ أي انتهاك للسيادة العراقية سيواجه بالتبرير أو الصمت الأميركي المعتاد.

إسرائيل، التي تتبع إستراتيجية “الضربة الوقائية”، لا تجد نفسها مضطرة لشرح أو تبرير شيء، طالما أن الولايات المتحدة تكفل لها الغطاء السياسي الكامل في مجلس الأمن، وفي الإعلام الغربي، وفي منظومات التنسيق العسكري.

وتشي الرسالة الأميركية بأنّ واشنطن باتت ترى العراق جزءاً من شبكة النفوذ الإيراني التي تخشى تمددها، لكن المفارقة أنّ واشنطن تستخدم هذا التقييم لتبرير الاعتداءات الإسرائيلية بدلاً من احتواء التوتر. هذا التحول في المقاربة الأميركية تجاه العراق يكشف عن هشاشة علاقتها بحلفائها في المنطقة، حيث بات الضغط والتهديد بديلاً للدبلوماسية التقليدية.

كما أنّ اللحظة العراقية الحالية، المشوبة بضعف مركزية الدولة أمام نفوذ الفصائل المسلحة، تجعل البلاد مكشوفة لأي تدخل خارجي. لقد ساهمت السياسات الأميركية منذ 2003 في خلق بيئة أمنية غير مستقرة، واليوم تستخدم واشنطن النتائج التي ساهمت في صناعتها لتبرير تغوّل إسرائيل داخل الأراضي العراقية.

أما إسرائيل، فتنظر إلى الفصائل العراقية باعتبارها امتداداً للقدرات الإقليمية الإيرانية، وتستغل أي فرصة لفرض معادلات جديدة بالقوة. ولو لم تكن إسرائيل محصّنة سياسياً من الجانب الأميركي، لما تقدمت خطوة واحدة نحو تنفيذ عمليات عسكرية خارج حدودها.

ويطرح هذا الوضع سؤالاً وجودياً أمام العراق: هل يستطيع أن يقرّر مصيره خارج إرادة القوى الكبرى؟ وهل يمكنه منع إسرائيل من تحويله إلى ساحة مجانية لتصفية الحسابات الإقليمية؟ الإجابة مرهونة بقدرة بغداد على إعادة بناء مؤسسات الدولة، وبقدرتها على رفض الإملاءات الأميركية التي لم تعد تراعي مصالح العراق ولا أمنه.

العراق يواجه معادلة غير عادلة

ويعتقد الخبراء إنّ التحذير الذي حمله توم باراك ليس مجرد رسالة أمنية، بل تجسيد لمعادلة سياسية مختلّة تمنح إسرائيل حقاً غير محدود في التدخل، بينما يُطلب من العراق ضبط نفسه وتحمل النتائج. وبينما تستمر واشنطن في منح إسرائيل كل ما ترغب به من غطاء سياسي وعسكري، يجد العراق نفسه أمام لحظة اختبار صعبة: إما الدفاع عن سيادته ومكانته، أو القبول بأن يكون ملعباً مفتوحاً لتصفية صراعات الآخرين.