يشير أحمد داود الى الأرض الزراعية التي جاء يتفقد محصولها من الطماطم، وقد ماتت الثمار قبل نضوجها بسبب شح المياه، قائلا “أنظروا كيف ماتت من شدة العطش، خسرنا كل شيء تقريبا هذا الموسم”.
في بلد يعد من أفقر دول في العالم بالمياه، يقف داود في أرض مشقّقة مع بقع بيضاء في ترابها. ويضيف المزارع الباكستاني (25 عاما) المولود في الأردن والذي يتحدث العربية بطلاقة، لوكالة فرانس برس، “لو كانت هناك مياه لكانت هذه الطماطم بهذا الحجم”، فاتحا قبضة يده.
ويروي الشاب الذي ارتدى سروالا من الجينز وقميصا أزرقا ولف رأسه بقطعة قماش للوقاية من أشعة الشمس كيف وصل والداه عام 1976 الى الأردن، وهما جزء من مجتمع يضم 3200 باكستاني بدأوا بالانتقال إلى المملكة منذ الستينات في طريق العودة من أداء فريضة الحج إلى مكة.
ويستأجر أحمد أرضه الممتدة على مساحة خمسين دونما (خمسة هكتارات) من مالكيها الأردنيين في غور الحديثة جنوب البحر الميت على بعد نحو 80 كلم جنوب غرب عمان، في منطقة غنية بمزارع الخضار والفواكه. لكن الجفاف هذا العام بلاء حقيقي.
ويقول “كل عام نعاني من مشكلة نقص المياه، لكن هذا العام الأمور أسوأ، تأتي المياه مرتين أو ثلاث في الأسبوع وتكون ضعيفة جدا فلا نتمكن من سقي مزروعاتنا أو ملء خزاناتنا”.
ويعاني جميع المزارعين في غور الحديثة من المشكلة. وتتشكل تجاويف في المنطقة بسبب الجفاف، وتظهر حفر، وتنهار التربة تحت أقدام مزارعين يحرثون أرضهم يدويا بسبب ضعف التربة.
في مزرعة مجاورة، جلس ابراهيم دغيمات (43 عاما) في سيارة بيكب أب زرقاء ليحمي نفسه من أشعة الشمس وهو يراقب ثماني فتيات يحصدن ثمار اللوبياء الخضراء.
ويقول دغيمات “أرضي مساحتها 90 دونما مزروعة بالفلفل والطماطم والباذنجان والكوسا والزهرة والملفوف، نحو 60 دونما منها لم أستفد منها بأي شيء، كلها تلفت بسبب نقص المياه والأمطار”.
ويضيف “تقدّر خسارتي بأكثر من 30 ألف دينار (43 ألف دولار)، ولا أملك حتى أجور العمال، بينما الدولة لم تعوضنا بشي”.
ويضاف الى مشكلة الجفاف انخفاض أسعار بيع الخضراوات بشكل كبير مع تراجع صادرات الأردن من الفاكهة والخضروات بنسبة 20 بالمئة العام الماضي بسبب إغلاق الحدود وتباطؤ عدد العملاء كالفنادق أو المطاعم التي تعاني بسبب القيود المفروضة جراء جائحة كوفيد-19.
ويؤكد داود بحسرة، وهو يرفع بيده جذعا مليئا بطماطم خضراء غير ناضجة “هذا محصول خمسة أشهر من التعب والجهد والإرهاق كله راح. بعد أسبوعين، سيتعين علينا رفعه وحرقه كي نعدّ الأرض للموسم القادم”.
ويعمل داود في المزرعة مع أربعة من إخوته وأطفالهم الذين يقدر عددهم بثلاثين شخصا يقيمون في بيوت مؤقتة بائسة قرب المزرعة يطلق عليها اسم “العرائش”، وهي مصنوعة من هياكل خشبية أو حديدية، وملبّسة ببلاستيك سميك.
ويقول “هذه ليست مشكلتي وحدي، الأمر نفسه ينطبق على أراضي أربعة من أخوالي وأعمامي كل واحد منهم زرع 50 دونما بالطماطم والبصل والشمام، وأغلبها تلف بسبب الحر ونقص المياه”.
بالقرب من هذه المزارع، فقد البحر الميت المهدّد بالجفاف ثلث مساحته السطحية منذ 1960، ومستوى مياهه ينخفض بمعدل متر واحد سنويا.
ولطالما عانى الأردن الذي تشكّل الصحراء 80% من أراضيه، من نقص في المياه.
ويؤكد المتحدث باسم وزارة المياه والري عمر سلامة لوكالة فرانس برس “العام الحالي، وضعنا المائي سيكون حرجا وصعبا”.
وبحسب سلامة، فإن “حصة الفرد الواحد سنويا من المياه تراجعت من 3400 متر مكعب عام 1946 إلى أقل من 100 متر مكعب حاليا بسبب تراجع هطول الأمطار والتغييرات المناخية والنمو السكاني وأزمات اللجوء المتعاقبة”.
ويوضح أن “كمية الأمطار التي هطلت العام الحالي بلغت حوالى 4,5 مليار متر مكعب، بما لا يتجاوز 50 بالمئة من الأمطار التي هطلت العام الماضي و60 بالمئة من معدل الأمطار السنوي”.
ويتابع “نتيجة لذلك، انخفض تخزين مياه السدود الثلاثة المخصصة لغايات الشرب بنحو 80 مليون متر مكعب عما كانت عليه العام الماضي”.
ويؤكد أن “كميات المياه التي يحتاجها الأردن سنويا لكافة الاستخدامات تقدر نحو 1,3 مليار متر مكعب ولكن المتاح منها يتراوح بين 850 الى 900 مليون متر مكعب”.
وفي الإجمال، سيعاني الأردن نقصا من المياه المخصصة لأغراض الشرب الصيف الحالي بمقدار 40 مليون متر مكعب. ويدعو سلامة السكان إلى “ترشيد استهلاكهم وعدم التبذير”.
ووفقًا لخبراء، يمر الأردن بواحدة من أشد حالات الجفاف في تاريخه، فيما الأسوأ لم يأت بعد. وقد ينخفض هطول الأمطار بمقدار الثلث تقريبًا بحلول عام 2100 ، بينما من المتوقع أن يرتفع متوسط درجة الحرارة بنحو 4.5 درجة.
ومن أجل مواجهة النقص في المياه، طلب الأردن من إسرائيل الشهر الماضي تزويده بثمانية ملايين متر مكعب إضافية من المياه. وهو يحصل عادة من إسرائيل على 55 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
وأوضح مصدر إسرائيلي أن إسرائيل ستزود المملكة هذه السنة “بثلاثة ملايين متر مكعب” إضافية.
بالنسبة الى منسق المشاريع البيئية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن سامي طربيه، من الضروري “البحث عن حلول على المستوى الإقليمي والدولي خصوصا أن الأردن بلد متأثر أكثر مما هو مؤثر في قضية التغير المناخي من حيث نسب انبعاثات غازات الدفيئة”.
ويؤكد أهمية زيادة حصة الأردن في التمويل لمواجهة تبعات التغير المناخي، وإنشاء “أحواض مائية مشتركة مع دول الجوار، والتعاون إقليميا في إنشاء قاعدة بيانات مناخية لتكون الأساس في تفعيل نظام إنذار مبكر للمخاطر المناخية”.